الثورة السودانية في خطر Share Tweetتقف الثورة السودانية عند مفترق طرق حاسم. قوات الأمن تقتل وتغتصب وتضطهد الجماهير بدون عقاب. وقد ردت الثورة بإطلاق احتجاجات جديدة وإغلاق الأحياء وتنظيم إضراب عام لمدة يومين، رغم أنه لم يحقق نجاحا كبيرا بسبب الافتقار إلى التنظيم. يجب أن نكون واضحين: الوقت ينفذ.[Source]الليبراليون المفلسون، الذين تسلقوا رأس الحركة الثورية في عام 2019، أهدروا دماء الشعب على استراتيجية إجرامية مبنية على التفاوض مع الجيش. وفي غضون ذلك يواصل قادة لجان المقاومة والمنظمات المهنية الثورية التأكيد على الأساليب “السلمية” في مواجهة همجية الثورة المضادة. لا توجد أي خطة لاعتقال الجنرالات والاستيلاء على السلطة. وهذا يقود الجماهير نحو هزيمة مريرة ودموية.منذ الانقلاب العسكري، في أكتوبر من العام الماضي، تخوض الجماهير صراعا شبه يومي مع الثورة المضادة، التي يقودها اللواءان عبد الفتاح البرهان وحميدتي. وقد قُتل، حتى الآن، ما لا يقل عن 71 شخصا وجُرح الآلاف. العدد الدقيق للضحايا غير معروف، لكنه بلا شك أعلى بكثير مما تقوله الأرقام الرسمية. قوات الدعم السريع، التي هي وحدة شبه عسكرية تعتمد على مليشيات الجنجويد الدموية، بقيادة حميدتي، شنت حملة إرهاب شرسة ضد الجماهير الثورية. لكن عندما ثبت أن القمع وحده عاجز عن وقف الحركة خلال العام الماضي، عمل الجنرالات، في نوفمبر، على إعادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى السلطة، وهو الذي سبق أن أطاحوا به واعتقلوه في أكتوبر. تم وضع حمدوك على رأس حكومة انتقالية “تكنوقراطية” جديدة، كان المجلس العسكري يأمل في أن توفر غطاء لعودة الديكتاتورية العسكرية، وتحويل مسار الثورة.لكن بعد ستة أسابيع، اتضح أن محاولة ذر الرماد في عيون الجماهير قد باءت بالفشل. فحمدوك الذي كان فقد مصداقيته بالفعل بسبب برنامج التقشف الوحشي الذي نفذه في 2019- 2020، بأمر من صندوق النقد الدولي -أثناء فترة تقاسم السلطة مع نفس الجنرالات الذين كانت الجماهير تحاربهم- قد حطم أي ذرة باقية من الشرعية في أعين الجماهير بفعل دخوله في ذلك الاتفاق الفاوستي.حمدوك الذي هو شخصية عرضية، خبير اقتصادي سابق في الأمم المتحدة، والذي لم يكن موجودا أصلا في البلد عندما كانت ثورة 2019 مستعرة، تم دفعه إلى المقدمة من قبل القادة الليبراليين وحلفائهم الإمبرياليين. وبعد إعادته إلى منصبه، سخر منه المتظاهرون في المظاهرات بوصفهم له على أنه “سكرتير الانقلاب”. صرح عامل ميكانيكي ومتظاهر يبلغ من العمر 40 عاما، لصحيفة فاينانشيال تايمز في نوفمبر قائلا:على حمدوك أن يناضل من أجل الشعب وليس من أجل الجيش. سنواصل الاحتجاج حتى تكون لدينا حكومة مدنية كاملة بدون جيش بداخلها، لا عودة إلى الحكم العسكري أبدا.بعد استقالة حمدوك، قام الإمبرياليون المنافقون التابعون للأمم المتحدة بتنظيم محادثات، في محاولة لرسم “مسار مستدام إلى الأمام نحو الديمقراطية والسلام”. كما رحبت جامعة الدول العربية بهذه المفاوضات الصورية، حيث قدم النظام المصري (الذي هو نفسه نظام ديكتاتوري عسكري) نفسه “وسيطا”. لقد أظهر الجيش بالفعل أنه ليست لديه أي مصلحة في قيام حكم مدني بأي شكل من الأشكال. لم يقبلوا سوى بترتيب تقاسم السلطة في عام 2019 من أجل المماطلة لربح الوقت. إن مقترح المحادثات هذا ليس سوى مناورة من قبل الإمبرياليين والأنظمة المجرمة في المنطقة لنزع فتيل الثورة وإضفاء الشرعية على استيلاء الجنرالات المعادين للثورة على السلطة. إن ما يريدونه هو الاستقرار، وأكثر ما يخشونه هو امتداد الثورة السودانية إلى بقية بلدان القرن الأفريقي والعالم العربي.لقد رفضت الجماهير محقة المحادثات التي توسطت فيها الأمم المتحدة. وأكدت تنسيقية لجان المقاومة (التي هي الهيئة العامة التي تمثل لجان الأحياء) والحزب الشيوعي وتجمع المهنيين السودانيين شعارات الثورة الرئيسية: لا تفاوض ولا شراكة ولا تقاسم للسلطة مع الجيش. تشعر هذه المجموعات بضغط الشارع الذي يرفض بشدة أي تحرك نحو مزيد من المحادثات مع الجنرالات. وعلى سبيل المثال فقد قام المتظاهرون بتفريق مظاهرة نظمتها مؤخرا قوى الحرية والتغيير –والتي هي تحالف لجماعات معارضة انضمت إلى الحكومة الانتقالية بعد سقوط نظام عمر البشير في عام 2019-، بعد أن كانت قوى الحرية والتغيير قد ساعدت في التوسط في الصفقة بين الجيش وحمدوك في نوفمبر. وبسبب الشعور بهذا الضغط، وعلى الرغم من قبول قوى الحرية والتغيير في البداية نقاش دعوة الأمم المتحدة، اضطر المتحدث باسمها، وجدي صالح، إلى التراجع ورفض “أي شراكة” مع الجيش. فقط مجموعات صغيرة (مثل من يسمون “أصدقاء السودان”)، والتي ليس لديها أي نفوذ بين الجماهير، هم من تجرؤوا على حضور تلك المحادثات.في الواقع، مع تزايد تجذر الجماهير خلال الأشهر الأخيرة، أصبحت الجماعات السياسية الأكثر امتدادا، مثل قوى الحرية والتغيير وحتى تجمع المهنيين السودانيين يتعرضون للتهميش بشكل متزايد لصالح لجان المقاومة. وقد صارت هذه الهياكل تقوم، بالإضافة إلى تنظيم الاحتجاجات، بتقديم عدد من الخدمات الأساسية التي لا يوفرها النظام. ويشمل ذلك شراء المعدات المدرسية والطبية، وحفر الآبار، وتنظيف الشوارع، وتنظيم “أسواق التضامن” حيث تُباع السلع الأساسية بسعر التكلفة للأسر الأشد فقرا.صرحت الناشطة السودانية مارين النيل:نرى في الكثير من وسائل الإعلام الدولية أن هذه الاحتجاجات جاءت بدعوة من قوى الحرية والتغيير أو تجمع المهنيين السودانيين، وهذا بعيد كل البعد عن الواقع. في الواقع، إن التنظيمات التي تقود هذه الحركة هي لجان مقاومة الأحياء، والتي تطورت بشكل رئيسي في عام 2019 للمساعدة في تنظيم الاحتجاجات في الأحياء، في مختلف الأحياء، وهي الآن الهيكل القيادي في الدعوة إلى الاحتجاجات وهي في الواقع صوت الشعب.هذه خطوة إيجابية، تظهر أن الجماهير السودانية بدأت بشكل متزايد تنظر إلى لجان المقاومة باعتبارها هيئات سلطتها الخاصة، التي تشكلت في خضم النضال.الثورة المضادة تهاجملكن مع استقالة حمدوك تم التخلي عن أي تظاهر بـ”التحول الديمقراطي”. لم يبق شيء الآن سوى المواجهة المفتوحة بين الثورة والثورة المضادة. يمثل هذا صراعا بين القوى الحية، والنتيجة لم تحسم بعد. لكن يجب أن نكون صادقين، فعلى الرغم من شجاعة الجماهير السودانية ومثابرتها المثيرة للإعجاب، فإن المبادرة والزخم موجودان حاليا في يد المجلس العسكري. مع رحيل حمدوك لم يعد الجيش يتظاهر حتى بأنه مهتم باحترام السلطة الدستورية والمدنية. لقد سقط القناع.يشعر المجلس العسكري بالثقة ويصعد من حملة القمع. قُتل ما لا يقل عن سبعة أشخاص وجُرح المئات يوم الاثنين 17 يناير وحده، عندما خرج آلاف المتظاهرين من 17 مدينة للمشاركة في الجولة 14 من المظاهرات الجماهيرية التي تعرفها البلاد منذ انقلاب العام الماضي. كان هذا أحد أكثر الأيام دموية حتى الآن. لقد تم قمع الجماهير بوحشية بقنابل الغاز المسيل للدموع والهراوات والذخيرة الحية، وحتى المدافع المضادة للطائرات. كانت هناك تقارير عن قيام القوات بمهاجمة المستشفيات ومنع المتظاهرين المصابين من الدخول إليها. في الخرطوم لم يُسمح للثوار حتى بدفن موتاهم بسلام. وتعرض موكب عزاء للهجوم من طرف قوات الأمن التي حاولت على ما يبدو دهس المشيعين بعرباتها المدرعة. لا نهاية لبربرية الثورة المضادة!ردا على جرائم القتل يوم الاثنين، دعت 40 نقابة ومنظمة مهنية إلى خوض إضراب عام لمدة يومين، يومي الثلاثاء والأربعاء. وعلاوة على ذلك طالبت اللجنة المركزية للأطباء السودانيين أعضائها بالانسحاب من المستشفيات الخاضعة لسيطرة العسكر، فيما بدأ المتظاهرون بوضع المتاريس على الطرق في العاصمة. الأحياء العمالية في الخرطوم، في بري وجبرة، أغلقت بالكامل. في الوقت نفسه خرج طلاب الثانويات والجامعات في العاصمة للتظاهر، ورفضوا اجتياز امتحاناتهم.لكن هذه النضالات كانت، مع الأسف، متفرقة وسيئة التنسيق، ويرجع ذلك جزئيا إلى الانقطاع المستمر للاتصالات السلكية واللاسلكية. لم ينفذ الإضراب إلا بشكل جزئي فقط، مع بقاء العديد من المتاجر والشركات مفتوحة. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع الإضرابات العامة القوية في ماي ويونيو 2019 ضد المجلس العسكري الانتقالي، والتي كانت قد حققت نجاحا شبه كامل في المدن الرئيسية في البلاد.تم إضعاف الإضراب، جزئيا، بسبب الافتقار إلى التخطيط المسبق والتواصل. الإضراب العام نشاط جدي، ويجب الاستعداد له بشكل مناسب. وبالإضافة إلى ذلك فإن ثلاثة أشهر من القمع المستمر أثرت على الجماهير، إلى جانب تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد. يدين السودان بالفعل بـ 60 مليار دولار من متأخرات الديون الخارجية، والتي تفاقمت بسبب حجب البنك العالمي لملياري دولار من المساعدات كان قد وعد بها. ارتفع معدل التضخم إلى 443%، وهناك نقص حاد في السلع الأساسية مثل الغذاء والدواء.قال مراسل سوداني لموقع marxist.com: “نظرا لتدهور مستويات المعيشة اليومية هنا، فإن الناس لا يستطيعون تحمل إضراب يتم بدعوات مقتضبة، إن ذلك يحتاج إلى تخطيط مناسب. إن يومين من الإضراب، بالنسبة للكثيرين، هما في الأساس يومين من الجوع. ليس لدى قادة الثورة أية خارطة طريق، لديهم فقط المزيد من الدعوات إلى الاحتجاجات”.وهذه هي النقطة الرئيسية. لقد أظهر الشعب السوداني مرارا وتكرارا استعداده لتحمل تضحيات جسيمة في حربه ضد الثورة المضادة. لكن لا يمكن أن يُتوقع منهم أن يعلقوا حياتهم إلى الأبد، وأن يبقوا مستعدين دائما للتظاهر والإضراب حسب نزوة قادتهم، دون أي أفق. إنهم ليسوا صنبورا يمكن للقيادة تشغيله وإيقافه متى شاءت للضغط على النظام.وخاصة عندما يصر قادة لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين على الاستمرار في أساليبهم السلمية المفلسة. ليس على الجماهير أن تتحمل فقط المشاق والجوع والفوضى، بل عليها أيضا أن تضع حياتها على المحك في مواجهة نظام دكتاتوري متعطش للدماء، دون أي وسيلة للدفاع عن نفسها. في الواقع لقد أصدرت لجان المقاومة بولاية الخرطوم مؤخرا بيانا بدا وكأنه يعترف بالقدرية الضمنية في الاستراتيجية التي تتبناها: “من واجبنا الاستمرار في مقاومة [الجنرالات] حتى ننتصر، أو أن يحكموا بلدا فارغا بعد أن يقتلونا جميعا“. [خط التشديد من عندنا]. يفترض أن تكون هذه كلمات حماسية الهدف منها إلهام الجماهير! “ازحفوا ضد الجيش حتى يستسلموا- أو نموت جميعنا!”، هذا أسوأ من السذاجة، أسوأ من الجنون: إنها جريمة.فشل القيادة وإفلاس النزعة السلميةيجب أن نقول بصوت عال وواضح: إذا تعرضت الثورة السودانية للهزيمة، فإن المسؤولية الرئيسية تقع على كاهل قيادتها. لقد تمت إضاعة الكثير من الفرص. في عام 2019 أسقطت الجماهير رئيسين اثنين في غضون ثلاثة أيام: البشير ونائبه الأول السابق أحمد عوض بن عوف، الذي ناور المجلس العسكري الانتقالي لوضعه في السلطةّ. لم تشهد الثورة إضرابا عاما واحدا فقط، بل إضرابين عامين عظيمين، أحدهما في ماي والآخر في يونيو 2019. وكانت قوة الحركة قد بدأت تؤثر في الرتب الدنيا من أعضاء القوات المسلحة.كان ذلك الغليان هو ما أجبر كبار الضباط على التخلص من البشير في المقام الأول، ويشرح إلى حد كبير سبب بقاء القوات النظامية في ثكناتهم منذ ذلك الحين، واقتصار البرهان على الاعتماد على قوات الدعم السريع والشرطة في معظم أعمال القمع الأخيرة. بعد ذلك، بعد انقلاب أكتوبر 2021، تحركت الجماهير بشكل عفوي للتصدي للمجلس العسكري، وشلت تحركه بسلسلة ضخمة من المسيرات وإضراب عام قوي آخر.كان يمكن للثورة أن تستولي على السلطة عشر مرات. لكن القادة اللبراليين قاموا، في كل مرة، بخيانة الجماهير من خلال الدخول في صفقات مع قادة الجيش، وبالتالي إعطاء المجلس العسكري الوقت لإعادة تجميع صفوفه، والاستيلاء بشكل وثيق على السلطة.وحتى الآن لم يتخذ قادة لجان المقاومة الخطوات اللازمة لتسليح وتنظيم الجماهير للدفاع عن النفس. كما أنهم لم يوجهوا أي نداء عام إلى الجنود العاديين. سيكون لذلك أثر فعال في شق صفوف الثورة المضادة وإضعافها، مع توفير الأساس للجان الدفاع المسلحة لكي تقوم بحماية الجماهير وتسليحها وتدريبها. إنهم يستخدمون ذريعة أن الدخول في مواجهة مسلحة مع الجيش يمكن أن يؤدي إلى اندلاع عنف فوضوي، أو يؤدي إلى حرب أهلية مدمرة. لكن الجماهير غارقة فعلا في خضم حرب أهلية من جانب واحد، حيث العدو هو الوحيد المستعد للقتال! وكما قال تروتسكي عن قادة حزب العمال للتوحيد الماركسي المتذبذبين خلال الحرب الأهلية الإسبانية، “إن الإفراط في ”الحذر“ هو أكبر افتقار للحذر فظاعة”. إن المطلوب ليس النزعة المسالمة، بل المقاومة المسلحة المنظمة!على سبيل المثال، عندما وردت تقارير من النظام تفيد بأن شرطيا تعرض للطعن حتى الموت خلال مظاهرة، سارع قادة الحركة إلى إنكار تورطهم وإعادة التأكيد على الطابع “السلمي” للحركة. من المحتمل أن يكون المجلس العسكري يكذب بشأن هذا الهجوم (الذي حتى وإن حدث فإنه سيكون الضحية الأولى من جانب قوات النظام حتى الآن) من أجل تبرير المزيد من الاعتقالات والقمع. كان هذا تكتيكا قد استخدموه في عام 2019.ومع ذلك فإنه إذا بدأت الجماهير تقاوم قوات القمع، التي تمارس التقتيل بشكل يومي، فإن مهمة القيادة الثورية هي تنظيمها في شكل مقاومة منضبطة. سيمنع ذلك حدوث مناوشات فوضوية غير فعالة، كما سيمكن من التصدي لعنف الثورة المضادة. إن رفض استخدام القوة لم يؤدِّ إلى الحفاظ على ‘السلم”، بل حكم فقط على الجماهير ببذل المزيد من الدماء. وسيسقط المزيد من القتلى ما لم يتم التخلي عن هذه الأساليب السلمية. لنقتبس من تروتسكي مرة أخرى: “إن معارضة شعار تسليح العمال… يعني عزل النفس عن الجماهير، وعزل الجماهير عن السلاح”.وعلاوة على ذلك فقد تُرِكت الجماهير في الميادين دون توجيهات من قبل تنسيقيات لجان المقاومة أو تجمع المهنيين السودانيين باستثناء دعوات لا تنتهي إلى المزيد من “الاحتجاجات الوطنية”. لم يقدم أي من قادة الثورة السودانية في أي مرحلة أي خطة ملموسة للإطاحة بالمجلس العسكري. كل ما فعلوه هو توجيه الجماهير لمواصلة التظاهر بطرق “سلمية” نحو مرمى رصاص قوات الأمن. وما يزال الحال كما هو حتى الآن. لقد أظهرت الثورة المضادة أنها لا تتورع عن إغراق الثورة في الدماء. ليس هناك حد لعدد الإضرابات السلمية والمسيرات المليونية التي سيسحقها البرهان وحميدتي من أجل حماية سلطتهما وامتيازاتهما. السبيل الوحيد للمضي قدما هو قيام تجمع المهنيين السودانيين ولجان المقاومة بتنظيم إضراب عام مفتوح، بهدف إطلاق تمرد ثوري يسقط المجلس العسكري ويقبض على قادته وأنصاره ويصادر ممتلكاتهم.لا وقت لنضيعهلقد تم بالفعل إهدار قدر كبير من الوقت الثمين. كل ثانية تمر تقوي قبضة الجنرالات، وتتسبب في المزيد من انحسار طاقة الجماهير. ما يزال من الممكن تغيير هذا الوضع. في بداية العام أصدر تجمع المهنيين السودانيين ميثاقا جديدا، اتفق عليه “القوى الثورية، وقوات التحرير المسلحة، والنقابيون، والقوى السياسية”. واقترحت توحيد جميع هذه الهيئات في مجلس تشريعي ثوري واحد. والغرض من هذه الهيئة هو “تنسيق مواقف القوى الثورية الحية… وبناء تحالفها القاعدي الواسع، وتحصين إرادتها الثورية ضد الاختطاف والتجيير، ولضمان جاهزيتها لاستلام السلطة”.هذه خطوة صحيحة، لكن المطلوب ليس المزيد من الكلام والنقاش بين القوى الثورية، بل الأفعال! كيف سيتم بالضبط إلقاء القبض على الجنرالات والاستيلاء على السلطة؟ ما هي الخطة؟ لا أحد يجيب. لو أطلق قادة لجان المقاومة دعوة جريئة إلى خوض إضراب عام مفتوح، ونظموا الجماهير لخوض مواجهة مسلحة ضد المجلس العسكري، ودمجوا ذلك مع إطلاق نداء عام وحملة تآخي مع الجنود العاديين في ثكناتهم، فقد ينعش ذلك الثورة من خلال تمكينها من طريق ملموس إلى الأمام.لكن لجان المقاومة ما تزال حتى الآن تصر على أنها منظمات “غير سياسية”، رغم دورها في تنظيم ثورة، والذي هو أكبر فعل سياسي يمكن تخيله. المهمة الآن هي إعداد الجماهير للنضال من أجل الإطاحة بالجنرالات. سوف تجد دعوة الجماهير الثورية إلى التعبئة أوسع صدى ممكن إذا ارتبطت ببرنامج يلبي تطلعات الجماهير. الميثاق الجديد التي أصدره تجمع المهنيين السودانيين يقدم بالفعل برنامجا من 10 نقاط للإصلاح الاقتصادي وحقوق النساء وإلغاء المجلس العسكري الانتقالي وما إلى ذلك. لكن هذه المطالب تغفل ما هو جوهري.بدلا من مجرد الوعد بـ”مجلس جديد” و”ديمقراطية” بشكل مجرد، يجب التعهد بعقد جمعية تأسيسية أن يفي بالمطلب السياسي الرئيسي للثورة في بناء الديمقراطية ووضع حد للديكتاتورية. وفي غضون ذلك يمكن تحسين الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجه الجماهير على الفور من خلال استخدام الثروة المصادرة من الجنرالات وأتباعهم في الاستثمار في الوظائف والخدمات وتحديث البنية التحتية والزراعة، إلى جانب التنصل من أداء الديون الخارجية. كان في مقدور ولو حزب صغير يرفع مثل هذه السلسلة من المطالب والشعارات في أكتوبر، أن يغير الوضع بشكل جذري الآن. وما تزال هذه الاستراتيجية والبرنامج أضمن طريقة لتحفيز الجماهير لشن هجوم مضاد ضد المجلس العسكري.لقد عانى الشعب السوداني كثيرا في نضاله من أجل الديمقراطية والعيش الكريم. وحدها الاشتراكية في السودان، باعتبارها جزء من فدرالية اشتراكية لأفريقيا والشرق الأوسط، القادرة على تحريرهم أخيرا من نير الديكتاتورية والاستغلال الإمبريالي. وكما أشارت ناشطة سودانية، في مقابلة حديثة مع الفاينانشيال تايمز، فإن المصاعب الاقتصادية التي فرضتها الإمبريالية على البلاد “قتلت من الناس أكثر حتى ممن قتلهم الجيش بالسلاح. لقد مات الكثير من الناس بسبب الجوع، وعدم حصولهم على الخدمات الصحية الأساسية المطلوبة”.وأضافت: “يترك الناس وظائفهم لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليف التنقل من منازلهم إلى أماكن عملهم، ولأنهم اضطروا إلى الانتقال إلى أطراف المدينة لأنه لم يعد بإمكانهم العيش بجوار مكان عملهم. إنه وضع متدهور أشاد به لفترة طويلة المجتمع الدولي الذي لم يكن يهتم بأي شيء سوى فتح مساحة جديدة للاستثمارات”.هذا صحيح تماما، إذ احتفل الإمبرياليون بحكومة حمدوك والجنرالات الانتقالية، بينما كانت تنفذ سياسات التقشف نيابة عنهم. والآن يذرفون دموع التماسيح على رفض الجيش التنحي لصالح “الحكم المدني”. لقد أظهر الليبراليون وما يسمى بالمجتمع الدولي أنهم لا يقدمون أي حلول. لكن لا يمكن الحديث عن أي بديل ما لم يتم تحطيم الثورة المضادة. لا يمكن في هذه اللحظة أن يكون هناك أي تردد ولا مزيد من الكلام عن السلام. يجب إلحاق الهزيمة بالجنرالات -بشكل كامل ونهائي- وإلا فإن الثورة ستواجه المصير نفسه. وكما كتب لينين ردا على تذبذب المناشفة خلال ثورة 1905، عندما كان العمال والفلاحون يخوضون معركة حياة أو موت ضد القيصرية، فإنه:لا شيء يمكن أن يكون أقصر نظرا من [الرأي] الذي تبناه جميع الانتهازيين، بأن الإضراب جاء في وقت مبكر ولم يكن ينبغي أن يبدأ، وأن [العمال] ما كان ينبغي عليهم أن يحملوا السلاح. على العكس من ذلك، كان ينبغي علينا أن نحمل السلاح بمزيد من الحزم والحيوية والجرأة؛ كان يجب علينا أن نوضح للجماهير أنه من المستحيل حصر الأمور في الإضراب السلمي وأنه كان من الضروري خوض نضال مسلح شجاع وحازم. والآن يجب علينا أخيرا أن نعترف صراحة وعلناً بأن الإضرابات السياسية غير كافية؛ يجب علينا أن نواصل التحريض على أوسع نطاق بين الجماهير لصالح انتفاضة مسلحة… ويجب أن تكون متزامنة قدر الإمكان. يجب على الجماهير أن تعلم أنها تخوض صراعا مسلحا دمويا ومريرا. يجب أن ينتشر احتقار الموت بينهم وذلك ما سيضمن النصر. [خط التشديد من عندنا]. لا محادثات ولا مساومة ولا مصالحة!من أجل إضراب عام مفتوح وانتفاضة ثورية لإسقاط المجلس العسكري!عاشت الجماهير الثورية السودانية! 19 يناير/كانون الثاني 2022ترجم عن النص الأصلي:The Sudanese Revolution is in danger