عراك في المكتب البيضاوي: ليس للقرد أن يملي الشروط على عازف الأورغ

ما رأيناه اليوم [الجمعة 28 فبراير] في المكتب البيضاوي كان صادما. كانت مباراة صراخ بين ترامب وجي دي فانس وبين زيلينسكي. لا يُفترض عادة أن يخرج القرد عن النغمة التي وضعها عازف الأورغ، فإذا فعل ذلك، تتم إعادته إلى صوابه باستعمال العصا.

[Source]

لكن ما الذي حدث حقا؟

ترامب في السلطة الآن. وقد وصل إلى السلطة على أساس وعد بإنهاء الحرب في أوكرانيا. الجميع يعرف ذلك. علاوة على ذلك، وكما قال وزير الدفاع، هيغسيث، بوضوح للأوروبيين في الأسبوع السابق، فإنه من أجل القيام بذلك، يجب على المرء “الاعتراف بالحقائق على ساحة المعركة”. ولم يكن مخطئا في ذلك. لقد فازت روسيا بالحرب، ولا توجد طريقة لقلب هذا الواقع. إن التوصل إلى وقف إطلاق النار الآن يصب في مصلحة أوكرانيا. البديل هو مواصلة حرب استنزاف لا يمكنها الفوز بها، وإجبار رجال لا يريدون أن يكونوا وقودا للمدافع على الموت… وذلك فقط لكي يتم إجبارهم على الاستسلام لاحقا وخسارة المزيد من الأراضي. هذه هي الحقائق.

وعلى هذا الأساس، فإن سياسة ترامب هي محاولة التوصل إلى اتفاق مع بوتين والتركيز على المنافس الرئيسي للولايات المتحدة، أي: الصين. وربما حتى دق إسفين بين روسيا والصين. هذه مصالح إمبريالية. بل يمكن للمرء أن يقول، هذه هي الأهداف التي تلائم أكثر القوة الحالية للإمبريالية الأمريكية. إن ما يقوله ترامب لبوتين في الجوهر هو: “دعونا نتمسك بمجالات نفوذنا”.

ومرة أخرى هذه هي الإمبريالية الأمريكية. هل هي أسوأ من إمبريالية بايدن؟ حسنا، لقد كان بايدن مصمما على متابعة حرب خاسرة بالفعل؛ حرب تسبب فيها من خلال إصراره على قضية عضوية أوكرانيا في الناتو. ولأنه صدق دعايته الخاصة، فقد كان لديه هدف وهمي هو إذلال روسيا وفرض إحداث تغيير للنظام في موسكو، بل إن البعض تحدث حتى عن تفكيك البلد (“القضاء على الاستعمار فيها”). ومن أجل تحقيق تلك الأهداف المستحيلة، كان مستعدا للقتال حتى آخر قطرة من الدم… الأوكراني، فضلا عن الزيادة باستمرار في الاستفزازات ضد روسيا، التي دعونا لا ننسى أنها أكبر قوة نووية في العالم.

المعادن مقابل الضمانات؟

ماذا عن صفقة المعادن الأوكرانية؟ لقد أثار زيلينسكي هذا الأمر في الأصل ضمن ما يسمى بـ”خطة النصر”. كان يائسا. كان بإمكانه أن يشعر بأن الحرب خاسرة، وأن الولايات المتحدة كانت على وشك التخلي عنه، وأن أوروبا أصبحت بدورها منهكة بسببها. لذلك فكر: “دعونا نبيع البلد مقابل المساعدات العسكرية” فوعد بالتنازل عن ثروة أوكرانيا المعدنية. تلك الثروة مشكوك فيه للغاية منذ البداية، فهي ثروة افتراضية في الغالب، جزء منها موجود في الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، وجزء منها تحت الأرض وسيتطلب استخراجها استثمارات كبيرة.

التفاصيل غير مهمة، فترامب رجل أعمال وقد تمسك بالفكرة. حجته هي: “لقد أنفقنا الكثير من المال في هذه الحرب، ويجب أن نحصل على شيء في المقابل”. قال: “أعطونا الغنائم!”، وقد طالب بمبلغ 500 مليار دولار. ثم تم تخفيض الرقم إلى 350 مليار دولار. لكن زيلينسكي أراد شيئا في المقابل: ضمانات أمنية. فأصر ترامب على أنه لن تكون هناك أية ضمانات. وكان هيغسيث قد أوضح بالفعل أن: أي قوات حفظ سلام أوروبية تتواجد في أوكرانيا بعد وقف إطلاق النار لن تكون مشمولة بالمادة 5 من قانون حلف شمال الأطلسي، والتي تنص على الدفاع المتبادل لأعضائه. فكرة ترامب هي أن الحقائق المجردة للمصالح الاقتصادية الأمريكية (صفقة المعادن) ستكون كافية لضمان الصفقة مع روسيا.

هذا هو جوهر القضية. إذ بمجرد أن قال ترامب إنه يريد الخروج من حرب الوكالة في أوكرانيا… لم يعد يوجد شيء يمكن للأوروبيين فعله. يمكنهم عقد قمة، والاحتجاج بصوت عالٍ، بعضهم أكثر من غيرهم، لكن لا يوجد شيء يمكنهم فعله. إنهم غير قادرين على متابعة الحرب ضد روسيا في أوكرانيا بدون الدعم العسكري والمالي من الولايات المتحدة. لا يستطيعون ذلك. وقد اعترفوا بذلك بأنفسهم. زيلينسكي يعرف ذلك وقاله علنا. في الواقع، لا يستطيع الأوروبيون توفير حتى الضمانات الأمنية لأوكرانيا دون دعم الولايات المتحدة. وهذا ما قاله ستارمر علنا.

ماذا بعد؟ استمر زيلينسكي، لمدة أسبوعين، يحاول إقناع الولايات المتحدة بالالتزام بنوع من الضمانات في مقابل صفقة المعادن، التي رفضت التوقيع عليها في مناسبات مختلفة.

وليس هذا فحسب، فقد كان يحاول قلب الوضع برمته من خلال الإصرار على أنه لا يمكن الوثوق ببوتين وبالتالي فإن المفاوضات عديمة الفائدة. إنه مدفوع بأمرين: أولا رغبته في إجبار الولايات المتحدة على الاستمرار في دعم الحرب، لكن أيضا مسألة بقائه السياسي، حيث أن ترامب ألمح بقوة إلى أنه يريد إبعاده. خريطة الطريق المعلنة لترامب هي: وقف إطلاق النار، انتخابات، صفقة. وهو عندما يقول “انتخابات” فإنه يعني انتخابات سيخسرها زيلينسكي.

في الأيام القليلة الماضية، زار كل من ماكرون وستارمر ترامب. لقد كانا ودودين للغاية معه. لقد جاءا يحملان له الهدايا (“زيارة دولة تاريخية ثانية”، “رسالة موقعة من جلالة الملك”). وقد أثنيا عليه. ما الذي يريدانه؟ إنهما يحاولان إقناع الولايات المتحدة بطريقة ما بالالتزام بمساعدتهما في منح أوكرانيا بعض الضمانات بعد وقف إطلاق النار. لكنهما لم يحققا أي شيء على الإطلاق. لقد ابتسم ترامب في وجهيهما، وصافحهما (بقوة)، وأشاد بهما باعتبارهما صديقين عظيمين… ثم لم يمنحهما أي شيء: Nada. Zilch. Zero.

كان ستارمر مسرورا للغاية. وقد وصفته الصحافة في لندن بأنه “أعمى”. فالحقيقة واضحة: ترامب لم يتزحزح قيد أنملة بخصوص المسألة المركزية المتعلقة بالضمانات الأمنية.

وفي هذه المرحلة يدخل زيلينسكي. إنه يعرف جيدا حقيقة الوضع. وعلاوة على ذلك، فهو يعلم أن الصفقة التي تعامل بها سيئة وضعيفة للغاية. كل ما لديه تقريبا هو عطش ترامب للمعادن. وبالمناسبة، هذه ليست مجرد نزوة من مالك العقارات النيويوركي، فقد كان بايدن في الواقع هو الذي أنشأ، كجزء من قانون الطاقة لعام 2020، “قائمة المواد والمعادن الحيوية”، أي سلسلة من المواد الخام ذات الأهمية الاستراتيجية للإمبريالية الأمريكية، والتي يوجد العديد منها حاليا تحت سيطرة الصين.

كل ما كان زيلنسكي يحتاج إليه هو أن يكون لطيفا مع مضيفه، عازف الأورغ، وأن يحاول دفعه في اتجاهه ولو قليلا (ربما بوعد بمقعد على طاولة المفاوضات، في مرحلة ما، وبعض الالتزام الغامض بالأمن بعد التوصل إلى اتفاق مع روسيا). ولم يكن من الصعب تحقيق ذلك. كانت شروط صفقة المعادن، التي تسربت إلى الإعلام، غامضة للغاية. وكان بوسعه أن يوقع عليها ثم يواصل سياسة الصداقة والضغط لمحاولة تحقيق تقدم أكبر قليلا.

قد تعتقدون أن ذلك مهين. أجل، إنه كذلك بالفعل. لقد أطلق عليها بوريس جونسون اسم “صفقة اللصوص”. لكن المسألة هي: هل لدى أوكرانيا بديل أفضل؟ لو كان لديها لكانت بكل تأكيد ستسعى إليه. لكنه ليس لديها أي بديل.

كان كل شيء جاهزا. كانت ستكون فرصة لالتقاط الصور وطرح بعض الأسئلة، ثم اجتماع خلف الأبواب المغلقة وتوقيع الصفقة. كانت هناك طاولات وأقلام. وغرفة معدة لمؤتمر صحفي. وكان الوزراء المعنيون حاضرين.

ومع ذلك لم يحدث ذلك. كيف؟ لماذا؟ قال البعض بأن ترامب وفانس أعدا فخا لزيلينسكي. لقد أرادا إذلاله بشكل علني. لكنكم إذا نظرتم إلى الفيديو بالكامل، فسترون أن هذا غير صحيح.

كان ترامب قد وصف زيلينسكي بالديكتاتور والكوميدي السيء، لكنه تظاهر بعد ذلك بأنه نسي. لم يكن يريد التركيز على تلك النقطة. لقد أراد التوصل إلى توقيع الاتفاق بمشاركة زيلينسكي، حتى يتمكن من متابعة المحادثات مع بوتين والتوصل إلى وقف إطلاق النار، ويفضل أن يكون ذلك بحلول عيد الفصح أو، إذا فشل ذلك، في يوم عيد النصر.

استمرت المحادثة بطريقة ودية ودبلوماسية لمدة 40 دقيقة تقريبا. كانت هناك نقطة اختلف فيها زيلينسكي وترامب حول من ساهم أكثر في الحرب، أوروبا أم الولايات المتحدة، لكنهما عبرا عن ذلك بالضحك ثم انتقلا إلى السؤال التالي.

ثم بعد حوالي 40 دقيقة، يتدخل جي دي فانس ليهاجم بايدن. قال: “بايدن يتبنى الحرب، وترامب يتبنى الدبلوماسية”. في هذه اللحظة، يتدخل زيلينسكي ويواجه فانس، قائلا: “لا يمكن الوثوق ببوتين”، “أي نوع من الدبلوماسية تتحدث عنه، جي دي؟”. يرد فانس: “باحترام، سيدي الرئيس، أعتقد أنه من غير اللائق أن تأتي إلى المكتب البيضاوي وتحاول الترافع عن هذا الأمر أمام وسائل الإعلام”. أي أنه يقول له: “يا صديقي، لا تكن أحمقا، أنت القرد، ونحن عازفو الأورغ، من فضلك، اصمت ويمكننا التحدث عن ذلك خلف الأبواب المغلقة”. عند تلك اللحظة، اندلع العراك.

قام ترامب وفانس بإخبار زيلينسكي عن حقيقة الموقف: “ليست لديك أية أوراق، لا يمكنك أن تقول لنا” وحتى بشكل أكثر وضوحا: “إما أن تبرم صفقة أو أننا سنخرج. وإذا خرجنا، فسوف تقاتل لوحدك. لا أعتقد أن الأمر سيكون لطيفا”.

زيلينسكي بدلا من أن يتراجع، واصل الصدام. السفيرة الأوكرانية أمسكت برأسها. كان الوضع قد تحول إلى حادث اصطدام.

فألغى ترامب المؤتمر الصحفي، الذي استمر لمدة 50 دقيقة.

سارع الأوكرانيون وراء الكواليس لإنقاذ الصفقة. ووفقا للصحافة فقد “انتظر وفد كييف في غرفة أخرى لمدة ساعة تقريبا، وكان ما يزال يأمل في التوقيع على صفقة المعادن التي دفعت زيلينسكي إلى السفر، وإنقاذ الزيارة”. لكن في الأخير، وفقا لـAxios، خرج ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي، مايك والتز، “من المكتب البيضاوي، وسارا إلى حيث كان زيلينسكي جالسا، وطلبا منه المغادرة”.

قال ترامب، في بيان له على وسائل التواصل الاجتماعي، إن: “زيلينسكي ليس مستعدا للسلام… يمكنه العودة عندما يكون مستعدا للسلام”.

هذه كارثة كاملة من وجهة نظر زيلينسكي.

جميع الزعماء الأوروبيين (ولسبب ما حتى السيناتور بيرني ساندرز أيضا) أعربوا علنا عن صدمتهم ووعدوا بدعم أوكرانيا بالكامل… لكن هذه مجرد كلمات. إنهم يعرفون جيدا أنهم غير قادرين على فعل أي شيء بدون الولايات المتحدة. لا عسكريا ولا اقتصاديا ولا سياسيا.

لذلك، ففي الأيام القليلة المقبلة، ستذهب تلك الكلمات القوية مع الريح، وستفرض الحقيقة القاسية نفسها: واشنطن لديها كل الأوراق في يدها فيما يتعلق بأوكرانيا.

هل هذا إذلال لزيلينسكي؟ أجل، إنه كذلك. هل كان هذا ما أراده ترامب؟ كلا، ليس الأمر كذلك.

من الصعب أن نفكر في استراتيجية أسوأ من تلك التي اتبعها زيلينسكي. وكما أشار ترامب، بشكل صحيح، فإن زيلينسكي لا يريد السلام. إنه يريد توريط الولايات المتحدة في استمرار الحرب. وهذا يعني صداما عسكريا مباشرا بين الأمريكيين والروس. وهو ما قصده ترامب عندما اتهم زيلينسكي بـ”المقامرة بإشعال حرب عالمية ثالثة”.

من خان أوكرانيا؟

“لقد تعرضت أوكرانيا للخيانة”، هذا ما أسمعه من بعض المعلقين. وأنا أتفق معهم. لكن أوكرانيا لم تتعرض للخيانة اليوم. كلا. عليكم أن تعودوا إلى الوراء. إلى عام 2014، عندما تدخلت الإمبريالية الأمريكية بشكل مباشر لفرض تغيير النظام في أوكرانيا، من أجل استبدال مجموعة من الأوليغارشيين الموالين لروسيا بمجموعة من الأوليغارشيين الأطلسيين الموالين لأوروبا. عندما كانت فيكتوريا نولاند وجون ماكين في ساحة الميدان يختلطان بعصابات النازيين الجدد. عندما دعمت الولايات المتحدة نظاما داس على حقوق الأوكرانيين الناطقين بالروسية، ونظم عملية عسكرية ضدهم وجعل الترويج للقوميين الأوكرانيين الذين تعاونوا مع النازيين في الحرب العالمية الثانية أيديولوجية رسمية للدولة.

تعرضت أوكرانيا للخيانة عندما نظم صقور الحرب المناهضون لروسيا الاستفزاز تلو الآخر مع علمهم التام بأن بوتين لن يسمح لأوكرانيا بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي ولا يمكنه ذلك.

تعرضت أوكرانيا للخيانة عندما قرر بايدن إشعال حرب بالوكالة بهدف تقسيم روسيا وتقليص حجمها.

تعرضت أوكرانيا للخيانة عندما تم إرسال بوريس جونسون على عجل إلى كييف في أبريل 2022، لإقناع الأوكرانيين بعدم التوقيع على اتفاق سلام مع روسيا.

أما زيلينسكي، فقد تراجع بالفعل، ففي منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان “شكرا لأمريكا، شكرا للرئيس”، وفي مقابلة له مع قناة فوكس نيوز قال إن “بعض الأشياء التي قالها كان ينبغي ألا تناقش أمام وسائل الإعلام”. ليس لديه بديل آخر.

في كييف، بدأوا بالفعل في شحذ السكاكين. إذ تم تقديم اقتراح في البرلمان لعزل الرئيس. وبدأ منافسوه السياسيون في تحديد مواقعهم.

واشنطن تهدد الآن بقطع جميع شحنات المساعدات العسكرية لأوكرانيا على الفور.

“لماذا كان كل هذا؟”

يتساءل البعض قائلين: “لكن ماذا عن الشعب الأوكراني؟ أليس لديه الحق في تحديد شروط التسوية؟ وتحديد متى يريد وقف القتال؟”. كثير من أولئك الذين يطرحون مثل هذا السؤال أناس كلبيون. إنهم هم أنفسهم الذين قرروا أنه على أوكرانيا أن تحظى بحكومة موالية لحلف شمال الأطلسي، وهم من تدخلوا بشكل مباشر لضمان حدوث ذلك، وهم الذين ـمثل فيكتوريا نولاند- اعترضوا على المرشحين لمنصب رئيس الوزراء بعد الإطاحة يانوكوفيتش.

لكن ربما هناك من يطرحون هذا السؤال بنزاهة. والإجابة هي: إن الشعب الأوكراني يريد السلام في هذه المرحلة وهو مستعد لتقديم تنازلات إقليمية. هذا ما تظهره استطلاعات الرأي في الأراضي الخاضعة لسيطرة كييف. فالعديد من الناس “يصوتون بأقدامهم” [يفرون]، ويتهرب مئات الآلاف من التجنيد (200 ألف شخص وفقا لمصادر أوكرانية في نهاية عام 2024). إنهم يدركون أن الحرب لا يمكن كسبها. والمزاج السائد على خط المواجهة يكاد يكون هو التمرد. فقد فر 1700 شخص من اللواء الآلي 155، الذي تم تشكيله حديثا ودربه حلف شمال الأطلسي، بمجرد عودته من فرنسا وإرساله إلى بوكروفسك.

العديد من الذين فروا من المناطق التي احتلتها روسيا، كماريوبول على سبيل المثال، يعودون الآن، لأنهم يريدون رؤية أقاربهم والعودة إلى ديارهم، ولا يرون أنه يمكن أن يحدث ذلك بالطرق العسكرية. هؤلاء هم الناس الذين فروا من الغزو الروسي، وليس أولئك الذين بقوا.

كما أن عمدة بوكروفسك وجه نداء إلى الرئيس لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار على الفور.

سيتساءل الكثيرون في أوكرانيا اليوم: “لماذا كان كل هذا؟” وزيلينسكي ليست لديه إجابة. لقد تعرض البلد للتدمير، وتم قتل وتشويه مئات الآلاف. سيفكر الكثيرون: “صوتنا لزيلينسكي على أساس أنه مرشح السلام. لقد ورطنا الغرب في حرب مع روسيا وخاننا الآن”. وغالبا ما تؤدي الهزيمة في الحرب إلى الثورة.

يتلخص الأمر، في نهاية المطاف، في شيء شرحه لينين قبل أكثر من 100 عام، وهو أنه في عصر الإمبريالية، ليست حقوق الأمم الصغيرة سوى أوراق لعب تافهة في مكائد القوى الكبرى. يتم استعمالها عندما يكون ذلك مناسبا لتبرير وتمويه الأهداف الإمبريالية للقوى الكبرى، ثم يتم التخلص منها عندما لا تعود تخدم غرضا مفيدا.

الاختلافات الحقيقية بين ترامب وبايدن

كلاهما إمبريالي، لكن هناك فرقان بين بايدن وترامب:

الفرق الأول هو أن بايدن سعى إلى سياسة خارجية متهورة تهدف إلى الحفاظ على تفوق الولايات المتحدة المستحيل على العالم بأسره، رغم خطر إثارة صراع عسكري مباشر مع قوة نووية مثل روسيا. في حين ينتهج ترامب سياسة تقسيم العالم بين القوى المختلفة وفقا للقوة النسبية لكل منها.

أما الفرق الثاني فهو أن بايدن والنظام العالمي الليبرالي بأكمله يخفون أهدافهم الإمبريالية السافرة بعبارات رنانة حول “السيادة الوطنية” و”القانون الدولي” و”النظام العالمي القائم على القواعد”. بينما ترامب أكثر مباشرة وأقل دبلوماسية. فهو يقولها كما هي. إنه يريد السيطرة على المعادن الحيوية وممرات الشحن والقنوات. ويريد استخدام النفوذ الاقتصادي الأمريكي لانتزاع التنازلات من شركاء أمريكا التجاريين. هذا كل شيء.

هل نتفق مع هذا؟ كلا بالتأكيد. نحن شيوعيون ثوريون وأمميون. نحن نناضل من أجل تحرر البشرية من الاضطهاد والاستغلال. نحن معادون للإمبريالية. لكننا لا نستسلم للوهم القائل بأن “ترامب سيء لأنه يتودد إلى بوتين الاستبدادي” أو لأنه “ضد الدفاع عن العالم الحر”.

إننا ندافع في كل مكان وفي كل الظروف، عن موقف طبقي مستقل. أي موقف ينطلق من وجهة نظر مصالح الطبقة العاملة، وليس مصالح هذه المجموعة من اللصوص الإمبرياليين أو تلك.