دفاعا عن تروتسكي: ردا على صحيفة مورنينغ ستار Share Tweetلقد صار الاهتمام بأفكار ليون تروتسكي يتزايد في الآونة الأخيرة، في سياق بحث العمال والشباب عن حل ثوري لأزمات الرأسمالية. لكن بعض اليساريين يعملون على شن حملة من الافتراءات على “التروتسكية”، لذا فإنه من المهم أن نضع الأمور في نصابها الصحيح.[Source]في نهاية أكتوبر، ردت صحيفة مورنينغ ستار (Morning Star)[1] على قرائها الذين كانوا يطرحون أسئلة حول الثوري الروسي العظيم ليون تروتسكي.يمكن تلخيص رد الصحيفة على النحو التالي: «تروتسكي نفسه لا بأس به، لكن “التروتسكية” سيئة للغاية».إن الماركسيين يرحبون بأي محاولة للانخراط بجدية في نقاش التاريخ والنظرية الثورية، لأن ذلك يوفر مرشدا لعملنا اليوم.لكن ولسوء الحظ فإن ما تقوله مورنينغ ستار ليس له من معنى، لأنه إذا كان تروتسكي قد قدم “مساهمة كبيرة في الثورة الروسية” وكان “فعليا الرجل الثاني في القيادة بعد لينين”، كما تقول المقالة، فلا بد أنه فعل ذلك بسبب أفكاره وبانسجام معها.الثورة الدائمةلماذا، إذن، تحمل الصحيفة كل هذه الكراهية الشديدة للثوريين الذين يناضلون من أجل تلك الأفكار اليوم؟يبدو أن السبب في ذلك هو أن كاتب المقال لا يفهم حقا أفكار تروتسكي.وعلى سبيل المثال فإن المؤلف يبدو غير سعيد بفكرة “الثورة الدائمة”. الشيء الذي يعتبر مثيرا للدهشة نظرا لكون المقال مكتوب باسم مكتبة ماركس التذكارية. يمكن لنظرة سريعة على النصوص الموجودة في تلك المكتبة أن توضح أن ماركس نفسه هو أول من استخدم مصطلح “الثورة الدائمة” في عام 1850.جوهر نظرية الثورة الدائمة هو فكرة أنه في البلدان المتخلفة اقتصاديا، التي تهيمن عليها الإمبريالية، الطبقة العاملة وحدها (وليس الرأسماليين “التقدميين” أو الطبقة الوسطى الليبرالية) القادرة على تنفيذ المهام الأساسية للثورة الديمقراطية، والتي بدورها تصبح مهام الثورة الاشتراكية.وإلى جانب هذه الفكرة، وهي مهمة بشكل خاص في البلدان التي تسيطر عليها الإمبريالية، تقول نظرية الثورة الدائمة إن الثورة الاشتراكية العالمية هي وحدها القادرة على تأمين المكاسب التي حققتها الجماهير الثورية في أي بلد بعينه.بعبارة أخرى فإن نظرية الثورة الدائمة أممية ومعارضة للتعاون الطبقي. وهذه المفاهيم ليست مقصورة على تروتسكي.عن التعاون الطبقي كتب لينين في عام 1905:«البرجوازية في عمومها ستتجه حتما نحو معسكر الثورة المضادة، نحو الاستبداد، ضد الثورة، وضد الشعب، بمجرد تلبية مصالحها الضيقة والأنانية، سرعان ما “ستتراجع” عن الديمقراطية الحازمة ( وهي قد بدأت تتراجع عنها بالفعل!)…… يبقى “الشعب”، أي البروليتاريا والفلاحون. لا يمكن الاعتماد إلا على البروليتاريا وحدها للمضي قدما حتى النهاية، لأنها تذهب إلى ما هو أبعد من الثورة الديمقراطية. هذا هو السبب في أن البروليتاريا تناضل في الطليعة من أجل الجمهورية وترفض بازدراء النصائح الغبية التي لا تستحق أن تأخذ بالاعتبار حول إمكانية ارتداد البرجوازية». (Works, vol.9, p.98)وفي سياق نقاش ماركس لنقاط مماثلة حول استقلال الطبقة العاملة في عام 1850، قال:«يجب أن يبذلوا [العمال الألمان] أقصى جهدهم لتحقيق انتصارهم النهائي، من خلال توعية أنفسهم بمصالحهم الطبقية، ومن خلال تبني موقف سياسي مستقل في أسرع وقت ممكن، ومن خلال عدم السماح لأنفسهم بأن يتعرضوا للتضليل بالعبارات المنافقة لديموقراطيي البرجوازية الصغيرة، فيشكوا ولو للحظة واحدة في ضرورة وجود حزب بروليتاري منظم بشكل مستقل. يجب أن يكون شعار نضالهم هو: الثورة الدائمة».أما بخصوص الأممية فقد كتب لينين عام 1918: «لن نحقق النصر إلا مع جميع عمال البلدان الأخرى، في العالم بأسره…». وقد أكد ماركس في قوانين الأممية الأولى على أن: «انعتاق العمال ليس مشكلة محلية أو قومية بل أممية».وقد كان تبني تروتسكي لهذه الأفكار هو بالتحديد السبب في أنه لعب، إلى جانب لينين، دورا مهما في الثورة الروسية.التعاون الطبقيبعد أن تمكنت الحركة العمالية من الإطاحة بالقيصر في فبراير 1917، تسبب ضغط الرأي العام البرجوازي الصغير في تذبذب قادة العمال وتقديم دعمهم للحكومة المؤقتة البرجوازية، بطريقة التعاون الطبقي.لينين وتروتسكي، اللذان كانا في المنفى، أدانا تلك السياسة. لكن داخل روسيا كان كل من ستالين وكامينيف يوجهان البلاشفة لدعم سياسة التعاون الطبقي. نشر كلاهما مقالات تدعم استمرار الحكومة البرجوازية في الحرب الإمبريالية، وفرضا الرقابة على رسائل لينين من الخارج التي كانت تنتقد موقفهما.ألقى ستالين خطابا في المؤتمر الأول لسوفييتات عموم روسيا لنواب العمال والجنود، في مارس 1917، حيث قدم دعما نقديا للحكومة الجديدة، أي الحكومة المؤقتة، كشكل من أشكال المعارضة الشرعية. وذلك ضد شعار لينين “لا ثقة ولا دعم للحكومة الجديدة”.قال ستالين: «يجب علينا دعم الحكومة المؤقتة طالما استمرت في تحصين خطوات الثورة. لكن بمجرد ما تصير الحكومة المؤقتة معادية للثورة، فإن دعمها غير ممكن».لم يتخلص البلاشفة من سياسة ستالين للتعاون الطبقي ويعودوا إلى الفكرة الماركسية عن الثورة الدائمة، إلا عندما عاد لينين من المنفى وألقى أطروحات أبريل.بفضل تلك السياسة، التي دافع عنها لينين وتروتسكي، تمكنت الطبقة العاملة من الاستيلاء على السلطة في أكتوبر 1917.هذا هو سبب أهمية الأفكار الواضحة، فبدونها يتم ارتكاب أخطاء قاتلة في الممارسة.خيانات وهزائمكرر ستالين وحلفاؤه نفس خطأ التعاون الطبقي، الذي ارتكبوه عام 1917، في الصين وبريطانيا في عشرينيات القرن الماضي، وفي فرنسا وإسبانيا أواخر الثلاثينيات.وفي أوائل الثلاثينيات تبنوا الصورة المعاكسة لتلك السياسة، أي السياسة اليسراوية المتطرفة المعروفة باسم “المرحلة الثالثة”.تلك الأفكار الخاطئة أدت بشكل مباشر إلى خراب الحركات الثورية. استخدمت الأحزاب الشيوعية الستالينية الشرعية المستمدة من الثورة الروسية لكي تضع نفسها على رأس الحركات العمالية، وذلك فقط لتقودها إلى الهزيمة.تعترض صحيفة مورنينغ ستار على وصف ذلك السلوك بأنه خيانة. لكن من الصعب أن نجد تسمية أخرى له.وعلى الرغم من كل هذا، يبدو أن مورنينغ ستار تحتقر المنظمات الثورية التي لديها «معتقدات جوهرية… تضعها شرطا للعضوية وتعتبرها ضرورية لتحقيق أهدافها».يعلمنا التاريخ أنه بدون أفكار واضحة من المستحيل تحقيق أهدافنا، لأن أهدافنا ليست تدبير أزمة الرأسمالية أو التعاون مع البرجوازية، بل الإطاحة بالرأسمالية ككل.إن بناء منظمة ثورية جدية يتطلب موقفا جديا من النظرية الثورية باعتبارها مرشدا للعمل.“تحالفات واسعة”لسوء الحظ ليست لدى مورنينغ ستار أفكار واضحة. ففي نهاية المقال نجد:«يجب أن تكون مسؤولية جميع الاشتراكيين الحقيقيين اليوم هي البحث عن أفضل طريقة لعكس اتجاه الرأسمالية لإلقاء عبء أزماتها على كوكبنا وشعوبه، والعمل على بناء مجتمع اشتراكي، من خلال بناء أوسع التحالفات الممكنة، في أماكن العمل وفي المجتمعات، لتحقيق هذا الهدف».إن كامل تاريخ الرأسمالية ومنطقها، كما أوضح ماركس وإنجلز، هو تركيز الثروة في أحد قطبي المجتمع، والبؤس في القطب الآخر. لكن مورنينغ ستار تقول إنه يجب علينا “البحث عن أفضل طريقة لعكس اتجاه الرأسمالية” الجوهري من خلال “بناء أوسع تحالفات ممكنة”.هذه مهمة طوباوية مستحيلة. إنها تقودنا مباشرة إلى طريق الإصلاحات المعتدلة، بالتحالف مع الرأسماليين “التقدميين” والطبقة الوسطى الليبرالية.لطالما كان هذا، للأسف، هو الخط التحريري لصحيفة مورنينغ ستار، التي تتبع بوضوح برنامج الحزب الشيوعي البريطاني، الذي عنوانه: الطريق البريطاني نحو الاشتراكية.ظهرت عواقب هذا الخط التحريري في وقت سابق من شهر أكتوبر، عندما نشرت صحيفة مورنينغ ستار مقالا بقلم الأمين العام لنقابة GMB، غاري سميث، يطالب فيه النقابات العمالية البريطانية بدعم إرسال الأسلحة إلى الجيش الأوكراني.هذا المطلب يضع الصحيفة بقوة في معسكر الناتو والإمبريالية الغربية.هل هذا هو المقصود بـ “بناء أوسع تحالفات ممكنة”؟ ليس لهذا الموقف أية علاقة بالموقف الأممي الثوري من الحرب الذي دافع عنه لينين. إنه ينسجم مع موقف التعاون الطبقي الذي طرحه ستالين في عام 1917.وبالمثل فقد انتقدت الصحيفة، في افتتاحية نُشرت في شتنبر الماضي، أولئك الذين يرفعون الشعارات المناهضة للمَلكية على أنهم “فردانيون” و”طهرانيون”، ويعبرون عن “رفض غير ديمقراطي لشرعية رأي الأغلبية”.هذا استسلام أمام ضغوط الرأي العام البرجوازي الصغير، على غرار ما قام به المناشفة في عام 1917. وهذا أمر حتمي إذا كانت استراتيجيتك هي “بناء أوسع تحالف ممكن” من خلال التعاون الطبقي.النظرية الثوريةمرة أخرى نؤكد أن الماركسيين يرحبون بأي محاولة للانخراط في نقاش جدي للتاريخ والنظرية الثورية.وأفضل نهج هو أن نقرأ بأنفسنا كتابات ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي، ونقيس ما قالوه على ضوء السجل التاريخي والأحداث الجارية، ونتخذ قراراتنا بأنفسنا.هذه هي الطريقة التي نشحذ بها فهمنا للرأسمالية والصراع الطبقي. هذه المعرفة هي سلاح قوي يمكننا من خلاله تغيير العالم.ومن أجل تحليل متعمق لحياة وأفكار ليون تروتسكي، نوصي بهذا المقال الذي كتبه آلان وودز عام 2000، بمناسبة الذكرى الستين لاغتيال الثوري الروسي العظيم على يد عميل ستاليني.أو قوموا بزيارة موقع دار النشر Wellred Books للاطلاع على العديد من النصوص الكلاسيكية لماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي، إلى جانب عناوين أخرى لمؤلفين من التيار الماركسي الأممي، بما في ذلك كتاب “لينين وتروتسكي: ما هي مواقفهما الحقيقية“.