ناضلوا ضد العدوان الإسرائيلي، ناضلوا ضد الإمبريالية – بيان الأممية الشيوعية الثورية

إن غيوم عاصفة تتجمع فوق الشرق الأوسط في الوقت الذي تدفع فيه إسرائيل، بدعم من القوى الإمبريالية الغربية، المنطقة إلى حافة حرب إقليمية شاملة مدمرة، وهو ما يؤكد مرة أخرى على أن الاختيار الذي يواجه البشرية هو: إما الاشتراكية أو الهمجية.

[Source]

لقد قصف الجيش الإسرائيلي خلالالأسبوعينالأولين من عدوانه على لبنان أكثر من 3,600 موقع في مختلف أنحاء البلاد، مما أسفر عن مقتل 1,800 شخص على الأقل وإصابة أكثر من 10 آلاف آخرين، وكانت الغالبية العظمى منهم من الرجال والنساء والأطفال الذين لا علاقة لهم بحزب الله. وحتى الآن اضطر ما يقرب من مليون شخص من إجمالي عدد السكان البالغ ستة ملايين نسمة إلى الفرار من منازلهم، وهو ما يضيف ضغوطا هائلة على بلد يعاني بالفعل من أزمات اجتماعية واقتصادية عميقة.

وقد حول القصفالإسرائيليالشاملالذياستمرمدةعامحتىالآنقطاعغزة إلى أنقاض. فقد قُتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وأُصيب مئات الآلاف، كما شُرد الملايين. والآن يعد النظام الصهيوني علنا بأن مصيرامماثلاسيصيبلبنان.

لقد أطلقوا حملة إرهابية غير مسبوقة على الشعبين الفلسطيني واللبناني. لقد نفذوا هجمات إرهابية في لبنان باستخدام أجهزة الاتصال (pager) واللاسلكي، مما أدى إلى مقتل العشرات وإصابة الآلاف. وفي بيروت، اغتالواحسننصرالله، رئيس حزب الله، وهو أكبر حزب سياسي في لبنان. وقبلها في طهران، اغتالواإسماعيلهنية، رئيسحماس، الحزب الحاكم في غزة.

من المهم أن نشير إلى أنه في وقت مقتلهما، كان كلا الرجلين يقودان مفاوضات وقف إطلاق نار مع إسرائيل. في سوريا، قصفت إسرائيل باستمرار مواقع في جميع أنحاء المناطق التي يسيطر عليها النظام، مما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص واغتيال سلسلة من المسؤولين الإيرانيين واللبنانيين والسوريين. كما قُصفت اليمن، في حين يتم التهديد أيضا بضرب أهداف في أي مكان في المنطقة.

“الدفاع عن النفس” هو الاسم الذي يطلقه المعتدون الإسرائيليون بغطرستهم المنافقة على كل هذا. ورسالتهم يرددها الساسة ووسائل الإعلام الغربيين. وبطبيعة الحال، يستطيع أي شخص نزيه أن يرى الحقيقة وراء هذه الكذبة. إن تصرفات إسرائيل تثير الاشمئزاز بين العمال والشباب في مختلف أنحاء العالم.

أمامنا من جهة، واحدة من أكثر القوات المسلحة تقدما من الناحية التكنولوجية، والتي تدعمها بالكامل الإمبريالية الأمريكية، التي هي القوة العسكرية الأقوى في العالم. ومن جهة أخرى، لدينا الشعبين الفلسطيني واللبناني، اللذان لا يمتلكان -كما لا يتردد الاستراتيجيون الإسرائيليون أنفسهم في الإشارة إلى ذلك- إلا قدرات عسكرية أدنى كثيرا وقوات مسلحة أصغر بكثير.

إن مستوى الموت والدمار الذي أحدثته إسرائيل في لبنان وغزة تجاوز إلى حد بعيد ما فعلته حماس أو حزب الله في أي وقت مضى. ومع ذلك، وفي تناقض وقح مع دفاعهم عن الهمجية الإسرائيلية، تركز وسائل الإعلام الغربية الضوء على كل عمل يقوم به الفلسطينيون أو حزب الله في لبنان أو إيران وتدينه. إنهم يقلبون كل الواقع رأسا على عقب، ويصورون ضحايا العدوان على أنهم المعتدين.

إنهم يستمرون في تجاهل السبب الجذري الحقيقي للصراع، وهو عقود من القمع الوحشي للفلسطينيين الذين طردوا بعنف من وطنهم، وتم تكديسهم في مخيمات اللاجئين، والذين شهدوا المزيد والمزيد من أراضيهم تُنتزع منهم بشكل منهجي. وعلى نحو مماثل، لا يُذكر سوى القليل عن حروب إسرائيل السابقة على لبنان، وحقيقة احتلالها لذلك البلد مدة 15 عاما حتى عام 2000.

لا ينبغي أن يكون هناك أي شك في موقف الشيوعيين الثوريين. نحن نقف بثبات إلى جانب الشعوب المضطهَدة ضد الإمبريالية الإسرائيلية والأمريكية. نحن نقدم دعما لا لبس فيه للشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية وفي جميع أنحاء المنطقة. نحن إلى جانب الشعب اللبناني، وكذلك الشعب الإيراني والعراقي والسوري واليمني، الذين تلقوا أيضا هجمات إسرائيلية. إن لديهم كل الحق في الدفاع عن أنفسهم ضد العدوان الإسرائيلي.

إن النظام الإسرائيلي والقوى الغربية التي تدعمه هم أعداء العمال والشباب في الشرق الأوسط. لقد أحدثوا الفوضى والخراب في المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وأبقوا عليها مسحوقة تحت وطأة القمع الإمبريالي الوحشي.

“النظام القائم على القواعد”

مع عبور القوات البرية الإسرائيلية للحدود إلى جنوب لبنان، بات من الواضح أن غزوا أكبر كثيرا على وشك البدء. لكن وسائل الإعلام تخبرنا إن تحرك جيش دولة إلى أراضي دولة أخرى ليس غزوا على الإطلاق. بل إنه “توغل بري محدود” وعمل من أعمال الـ”دفاع عن النفس”.

عندما تحركتروسياإلىأوكرانيا، كانت القوى الغربية تتسابق لإدانة ما وصفته زورا بأنه “غزو غير مبرر”، متجاهلة بذلك الاستفزازات المستمرة من جانب حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضد روسيا. ولكن أين الإدانة لإسرائيل عندما تغزو ليس أمة واحدة، بل اثنتين في غضون 12 شهرا، وتقصف وتهاجم ثلاثة بلدان أخرى، حتى باستخدام أساليب إرهابية؟

وعندما تقصف القنابل الروسية مناطق مدنية في أوكرانيا، لا تدخر الصحافة الغربية أي مقدار من الغضب ضد روسيا وفلاديمير بوتين. في حين قتلت إسرائيل عددا من المدنيين في غضون عام واحد أكثر مما قتلته روسيا في غضون عامين ونصف العام من الحرب.

عندما اغتالت إسرائيل حسن نصر الله، كان لزاما على قنابلها أن تشق طريقها أولا عبر مبنى سكني شاهق الارتفاع يتألف من ستة إلى ثمانية طوابق فتحوله إلى أنقاض قبل أن تتمكن من اختراق الأرض بشكل أعمق للوصول إلى مقر حزب الله. وقد كانت النتيجة النهائية تدمير منطقة سكنية أكبر من ملعب كرة قدم بالكامل، مما أسفر عن مقتل مئات الأسر تحت الأنقاض، لم يكن لديهم أي فرصة للفرار حيث انهالت عليهم القنابل في منتصف الليل. وبطبيعة الحال، لم يسلط الإعلام الغربي الضوء على أي شيء من هذا تقريبا. بل في الواقع إن الولايات المتحدة وحلفائها أشادوا بهذا العمل!

لقد قتلت القنابل الإسرائيلية بالفعل ما يقرب من 2,000 مدني لبناني، ويتزايد العدد مع مرور كل يوم. ولا يحاول مرتكبو هذه المذبحة حتى إخفاء فرحتهم برؤية هذه المذبحة المروعة. ففي دجنبر الماضي، هدد نتنياهو بأن إسرائيل “ستحول بمفردها بيروت وجنوب لبنان، ليس بعيدا عن هنا، إلى غزة وخان يونس”. وقد كرر هو وغيره من كبار المسؤولين الإسرائيليين هذه العبارات في عدة مناسبات منذ ذلك الحين.

إن العمال والشباب في مختلف أنحاء العالم محقون تماما في التساؤل: لماذا لا يوجد أي غضب إزاء كل هذا؟ أين الإدانات الرسمية؟ أين التغطية الصحفية؟ أين الافتتاحيات الغاضبة والخطب النارية حول حرمة السيادة الوطنية وأرواح المدنيين المقدسة؟

إذا كان رد الفعل على حرب أوكرانيا هو المعيار، فمن المؤكد أنه كان ينبغي التعامل مع حسن نصر الله أو غيره من كبار المسؤولين اللبنانيين باعتبارهم أبطالا وطنيين يدافعون عن وطنهم ضد المعتدي الأجنبي. وكان ينبغي نقلهم جوا مباشرة إلى أوروبا والولايات المتحدة، لينتقلوا من برلمان إلى آخر، ويتلقون مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية والمالية لمقاومة العدوان الإسرائيلي  “مهما طال الزمن”.

إننا جميعا نعلم لماذا لم يحدث ذلك. ذلك لأن نصر الله ومئات المدنيين الأبرياء الذين كانوا يعيشون فوق مقر حزب الله قُتلوا بدم بارد بمساعدة ثمانين قنبلة من نوع “JDAM” قادرة على اختراق المخابئ، كانت الولايات المتحدة هي من زودت إسرائيل بها. وبدلا من التعبير عن الغضب، فقد هاجم جميع القادة الغربيين حزب الله لاستخدامه المدنيين كـ”دروع بشرية”. أي أنهم ألقوا باللوم على حزب الله في قتل إسرائيل للمدنيين بأسلحة غربية.

ولكن ماذا يحدث عندما ترد حماس أو حزب الله أو إيران بإطلاق النار على إسرائيل؟ هل يتم اعتبار ذلك دفاعا عن النفس؟ كلا بالطبع. كل الآلة الإعلامية الهستيرية تعمل بكامل طاقتها ضد ما يُسمى بالهمج الإيرانيين وحزب الله، وما إلى ذلك.

في واقع الأمر، لم يقتل سوى عدد ضئيل من الأفراد نتيجة للقصف داخل إسرائيل خلال العام الماضي. فوفقا لمنظمة العفو الدولية، حتى قبل بدء القصف الحالي، بلغ عدد القتلى في لبنان نتيجة لإطلاق الصواريخ الإسرائيلية الروتينية 589 شخصا. وفي المقابل لم يقتل سوى 34 شخصا نتيجة لإطلاق صواريخ حزب الله داخل إسرائيل. في الأسبوع الماضي، ارتفعت أرقام الضحايا في لبنان بشكل كبير، في حين لم يقتل على الجانب الإسرائيلي سوى حفنة من القتلى.

وعلى النقيض من إسرائيل، التي استهدفت عمدا المناطق المدنية، فإن الصواريخ الإيرانية لم تفعل ذلك حتى الآن. ومع ذلك، هناك الآن حديث عن فرض عقوبات غربية أخرى على إيران لجرأتها على الرد على إسرائيل. ومن ناحية أخرى، كافأت الإدارة الأمريكية إسرائيل، في وقت سابق من هذا العام، بحزمة مساعدات عسكرية بقيمة 08 مليارات دولار.

إن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” في الواقع لا يعني سوى حق إسرائيل في التدخل في أي مكان تريده، وبأي وسيلة تريدها، مع الإفلات التام من العقاب، وقصف وإطلاق النار وتجويع ومعاقبة أي شخص. وأولئك الذين يجرؤون على الدفاع عن أنفسهم ومقاومة هذه الهجمات يتم وصفهم بالأعداء والإرهابيين، أو ما هو أسوأ من ذلك. هذا هو تطبيق ما يسمى “النظام القائم على القواعد” على الظروف الخاصة في الشرق الأوسط.

قد يتساءل البعض ما الذي يعنيه هذا “النظام القائم على القواعد”؟ ما هو هذا النظام الدولي الأسطوري الذي يقوم على “الحكم الديمقراطي” و”القيم الغربية”؟ لا توجد سوى قاعدة واحدة في هذا “النظام القائم على القواعد”: كل ما يخدم مصالح الإمبريالية الأمريكية يجب أن يتم تنفيذه في أي موقف. وإذا قررت الولايات المتحدة، أو حلفاؤها في بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، قصف أو غزو بلد معين فيحق لهم ذلك، ولا يجوز للضحايا حتى محاولة الدفاع عن أنفسهم ضد مثل ذلك العدوان. وكل من يعترض هو عدو للغرب تلقائيا ويخضع للإدانة والعقوبات والهجمات، التي تراها الإمبريالية الأمريكية مناسبة.

من يقف ضد السلام؟

بعد أشهر من الهجمات والاستفزازات، ردت إيران أخيرا في الثاني من أكتوبر على الاستفزازات الإسرائيلية بإطلاق وابل من 180 صاروخا موجها إلى عدد من المنشآت العسكرية والاستخباراتية.

وكما كان متوقعا، فقد وقف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الحريص على إظهار خضوعه للإمبريالية الأمريكية، إلى جانب إسرائيل، قائلا إنه “يدين بشدة هذه المحاولة التي يقوم بها النظام الإيراني لإيذاء الإسرائيليين الأبرياء، وتصعيد هذا الوضع الخطير للغاية، ودفع المنطقة إلى حافة الهاوية”. وتبعته نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس قائلة: “إنني أدرك بوضوح أن إيران قوة مزعزعة للاستقرار وشديدة الخطر في الشرق الأوسط”، مضيفة: “سأضمن دائما أن تتمتع إسرائيل بالقدرة على الدفاع عن نفسها ضد إيران والميليشيات الإرهابية المدعومة من إيران”.

إن قراءة مثل هذه التصريحات تجعل المرء يشعر وكأنه انتقل إلى عالم مواز غريب. فالنظام الإسرائيلي هو الذي قتل عشرات الآلاف من الناس ودمر حياة الملايين، وهو النظام الذي لا يخفي رئيس وزرائه استعداده لجر المنطقة بأسرها إلى حرب، ومع ذلك فإن إيران هي التي يتم تصويرها كقوة مظلمة وشيطانية عازمة على زعزعة استقرار المنطقة بأسرها.

في الواقع، على مدار العام الماضي بكامله، كانت إيران هي التي أظهرت ضبط النفس الشديد. فلم ترد إيران على اغتيال هنية في طهران مدة شهرين. كما قبلت حماس اتفاق وقف إطلاق النار الذي اقترحه الغرب. لكن بنيامين نتنياهو كان دائما هو الذي يخرب مرارا وتكرارا تلك المحاولات لإنهاء الحرب. وفي لبنان، كما أفاد رئيس الوزراء اللبناني، كان حسن نصر الله نفسه قد وافق على اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل قبل ساعات فقط من اغتيال إسرائيل له.

إضافة إلى ذلك، فقد أعرب الرئيس الإيراني بيزيشكيان في عدة مناسبات عن استعداد إيران لإجراء محادثات سلام، واستعدادها لإبرام صفقة مع الغرب وإسرائيل لتحقيق الاستقرار في المنطقة. الواقع أنه صرح بأن الولايات المتحدة والغرب وعداه بوقف إطلاق النار في غزة والعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني إذا امتنعت إيران عن الرد. وكان أحمقا بما يكفي لتصديق وعود بايدن. فمن الواضح لأي شخص لديه عيون ليرى أن بنيامين نتنياهو غير مهتم بالسلام على الإطلاق.

وتبقى الحقيقة هي أنه بعد عام من القتال في غزة لم تحقق إسرائيل أيا من أهداف الحرب المعلنة، أي: إطلاق سراح الرهائن والقضاء على حماس. وقبل شهر واحد فقط، وبعد أن نجح نتنياهو في المناورة، مرة أخرى، لإفشال المحاولة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بدأت شعبيته في الانحدار، وواجه احتجاجاتجماهيريةبل وحتى إضراباعاما. إنه يدرك تمام الإدراك حقيقة مفادها أنه إذا خسر منصب رئاسة الوزراء فسوف يذهب إلى المحكمة لمواجهة اتهامات خطيرة بالاحتيال. وبالتالي فإنه من أجل البقاء في منصبه، يحتاج إلى مواصلة الحرب، ومن الأفضل جر الولايات المتحدة إليها. فهو عازم على البقاء في السلطة مهما كان الثمن.

إن الإمبرياليين الأمريكيين وتابعيهم في أوروبا، المتخمين بالكبرياء والغرور، غير راغبين في اتخاذ أدنى خطوة قد تبدو مؤشر ضعف من جانبهم. وبسبب هذا، فهم يتبعون نتنياهو على ذلك المسار الكارثي. إنهم يلقون الخطب حول وقف إطلاق النار والحاجة إلى الاستقرار، لكن نتنياهو يعلم في النهاية أنهم سيقفون إلى جانب إسرائيل، حليفتهم الصلبة الوحيدة في الشرق الأوسط.

وعلى هذا الأساس، وبعد أيام من الثرثرة مع القوى الغربية بشأن وقف إطلاق النار المحتمل، صعد نتنياهو إلى منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة حاملا رسالة إلى العالم: “ليس هناك مكان في إيران لا تستطيع الذراع الطولى لإسرائيل الوصول إليه، وهذا ينطبق على الشرق الأوسط برمته”. هنا سمعنا الصوت الحقيقي للطبقة السائدة الصهيونية في إسرائيل. لقد كان ذلك بمثابة إعلان حرب ضد أي شخص في الشرق الأوسط يجرؤ على الوقوف في طريق النظام الصهيوني. فلابد من السماح لإسرائيل بالتوسع والتدخل في أي مكان في المنطقة.

وفي هذا السياق، أصبح النفوذ المتزايد لإيران وحلفائها عقبة أمام أهداف الطبقة السائدة الإسرائيلية. لذلك، يجب معاقبة إيران وحزب الله -وأي من حلفائها الآخرين- وإجبارهم على الخضوع، دون أي اهتمام بالأرواح التي تزهق في هذه المسار، أو الأجيال التي ستضطر إلى دفع ثمن هذه الأفعال.

إن الحرب مع إيران سوف تكون لها عواقب كارثية ليس فقط في المنطقة، بل وعلى مستوى العالم. قد تنتشر بسهولة إلى بلدان أخرى في الشرق الأوسط، وتجر مباشرة الإمبريالية الأمريكية نفسها. والواقع أن هذا هو بالضبط ما كان نتنياهو يعمل من أجله. لكنه سيكون مخطئا إذا تصور أن هذا من شأنه أن يضمن له النصر. بل العكس تماما.

إن حقيقة أن الأمريكيين يتدخلون الآن بوضوح إلى جانب إسرائيل سوف تكون لها عواقب وخيمة للغاية. فمن الواضح أن روسيا التي طورت علاقات وثيقة مع طهران، لا شك أنها سوف تهب لمساعدة إيران بطرق لا نستطيع أن نتنبأ بها بدقة، لكن سوف يكون لها بلا شك تأثير حاسم على الأحداث.

من المستحيل بالطبع أن نعرف مدى التورط الروسي في هذه المرحلة من الصراع. لكن يبدو من المرجح أن الهجوم الصاروخي الأخير الذي شنته إيران -والذي كان أكثر تدميرا مما تعترف به الصحافة الإسرائيلية والغربية-كان يعتمد على مساعدة الاستخبارات الروسية، ولا سيما الأقمار الصناعية الأكثر تطورا من أي أقمار صناعية يمتلكها الإيرانيون حاليا. إذا كان الأمر كذلك، فإن هذا يشكل تحذيرا خطيرا للغاية لكل من الزمرة الحاكمة في إسرائيل ودعاة الحرب في واشنطن.

إن هذه الحقيقة قد تلزم نتنياهو بالتفكير مرتين قبل شن حرب شاملة ضد إيران، أكثر بكثير من الاحتجاجات المنافقة الصادرة عن واشنطن بأن أميركا “مع السلام”.

هناك أيضا عوامل أخرى يتعين على الإمبرياليين أخذها في الاعتبار. فقد يتفاقم الصراع بشكل غير متوقع، مما يؤدي إلى زعزعة استقرار جميع البلدان الواحد منها تلو الآخر. فضلا عن ذلك، فإن إيران الآن تمتلك حافزا قويا لتسريع برنامجها للأبحاث النووية وتطوير الأسلحة النووية. فمن الواضح الآن للقادة الإيرانيين أن هذا سيكون الضمان الحقيقي الوحيد ضد أي هجوم على إيران من جانب الغرب أو إسرائيل.

كما أن الاقتصاد العالمي سوف يشعر على الفور بالصدمة. فقد ارتفعت أسعار النفط بنسبة 5% صباح يوم الجمعة، بعد غضون دقائق من الأخبار التي أفادت بأن إدارة بايدن “في نقاش” مع الحكومة الإسرائيلية حول ضربة انتقامية مشتركة محتملة ضد إيران. وهذا لا يُقارن بما قد يحدث إذا تعطلت إمدادات النفط من الخليج الفارسي. وقد أثارت إسرائيل بالفعل احتمال ضرب المنشآت النفطية أو النووية في إيران. في حين هدد الإيرانيون بدورهم بضرب المنشآت النفطية في الخليج ردا على ذلك.

إن إيران إذا تعرضت لتهديد كبير فإنها تمتلك القدرة على إغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره 20% من نفط العالم. كما يستطيع الحوثيون في اليمن منع حركة الشحن عبر مضيق باب المندب، الذي يمر عبره 30% من حركة الحاويات في العالم.

إن العواقب المترتبة على كل هذا ستكون كارثية على الاقتصاد العالمي، الذي أصبح بالفعل على حافة الركود. وقد يُدفع إلى أزمة حادة، مع ارتفاع التضخم، وتعطل سلاسل التوريد، بالإضافة إلى إغلاق المصانع وارتفاع البطالة بشكل كبير. وسوف تمتد المعاناة إلى ما أبعد من حدود الشرق الأوسط. إذ سوف يُطلب من العمال والفقراء في العالم أجمع أن يدفعوا فاتورة مغامرات الإمبرياليين الإجرامية.

احتمالات الموت والدمار التي يواجهها ملايين البشر لا تشكل أي أهمية بالنسبة لنتنياهو أو الطبقة السائدة الإسرائيلية المسعورة التي اصطفت الآن خلفه. وينطبق الشيء نفسه على الإمبرياليين الغربيين الذين يواصلون تزويد الجيش الإسرائيلي بالمال والأسلحة والدعم العسكري المباشر.

لقد سقط القناع “الديمقراطي” للطبقة الرأسمالية، كاشفا عن وجهها الحقيقي: وجه الطبقة التي تفضل جر البشرية إلى هاوية الهمجية على أن تتخلى عن مصالحها الضيقة. وهذا يؤكد ما قاله الشيوعيون دائما: إن الاختيار أمام البشرية هو إما الاشتراكية أو الهمجية.

ناضلوا ضد الإمبريالية، ناضلوا ضد الرأسمالية

لا يحتاج المرء إلى التمعن كثيرا ليرى الأفكار العنصرية المتأصلة في الخطاب الصهيوني، وهي العنصرية التي تنعكس في الصحافة الغربية. فوفقا لهذه النظرة، فإن الشعوب المسلمة في الشرق الأوسط بدائية ومتخلفة ورجعية بطبيعتها.

لكن الأحداث الحالية تكشف مرة أخرى عن حقيقة الوضع: إن الإمبريالية هي المصدر الرئيسي للرجعية في المنطقة. إن الإمبريالية الغربية هي، أكثر من أي شيء آخر، المصدر الرئيسي للرجعية، وهي التي ظلت لعقود من الزمن تتدخل وتحرض على الحروب والصراعات الطائفية، التي أعاقت بالقوة التنمية الاقتصادية في المنطقة، وأبقتها في قبضة التخلف والفقر. وفي الوقت نفسه زودت إسرائيل بكل الاستثمارات والمساعدات اللازمة لتحويلها إلى قوة رأسمالية هائلة في المنطقة.

إن الصهاينة يبررون أفعالهم بالزعم بأنهم يقاتلون من أجل ضمان أمن اليهود في إسرائيل. لكن ما كانوا ينتهجونه في الواقع هو سياسة استعمار أكثر فأكثر للأراضي الفلسطينية، وإشعال حالة من الصراع الدائم تقريبا. وبقيامهم بذلك لم يبنوا ملاذا آمنا لليهود في إسرائيل. بل على العكس من ذلك، لقد بنوا لهم فخا، فخا يستخدمونه للحفاظ على حكمهم وامتيازاتهم وأرباحهم.

لن يكون هناك سلام ووئام لشعوب الشرق الأوسط ما دامت الطبقة السائدة الإسرائيلية باقية في السلطة. والنظام الصهيوني، بدوره، ليس سوى قاعدة متقدمة للإمبريالية الغربية. وبدون الدعم المالي والدبلوماسي والعسكري الكامل من الرأسماليين الغربيين، لن يتمكن الجيش الإسرائيلي من الحفاظ على نفسه فترة طويلة.

إن نفس الأشخاص الذين يستغلون ويضطهدون الطبقة العاملة في الغرب هم أيضا الذين يقفون وراء الحروب والحروب الأهلية التي لا تنتهي في الشرق الأوسط. علينا فقط أن ننظر إلى الحروب في العراق (1990-1991 و2003-2011) وأفغانستان (2001-2021)، بالإضافة إلى الحرب الأهلية في سوريا التي بدأت في عام 2011 وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، والحرب الأهلية الهمجية في اليمن التي بدأت في عام 2014، والحروب السابقة في لبنان، إضافة إلى الاعتداءات المستمرة منذ عقود ضد الفلسطينيين.

إننا نرى تورط القوى الغربية، بطريقة أو بأخرى، في كل هذه الصراعات. وهي التي تتحمل، في نهاية المطاف، المسؤولية عن كل هذه الصراعات.

فلنحول الحرب الإمبريالية إلى حرب طبقية

إن نفس الأشخاص الذين يخبروننا دائما أنه لا يوجد ما يكفي من المال للتعليم والرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية وغيرها من مزايا الرعاية الاجتماعية، يمكنهم فجأة العثور على مليارات الدولارات التي يحتاجون إليها لشن حروب إمبريالية في أماكن مثل الشرق الأوسط وأوكرانيا. إن النضال ضد اضطهاد إسرائيل للفلسطينيين وحروبها مع البلدان المجاورة مرتبط بشكل مباشر بنضال الطبقة العاملة في الغرب.

لن يستطيع أي قدر من الالتماسات أو الكلام الراديكالي أن يضع حدا لآلة الحرب الصهيونية. فالقوة يجب أن تُقابل بالقوة. والقوة الأكثر حسما على هذا الكوكب هي قوة الطبقة العاملة، والتي بمجرد أن تتحرك يصير في إمكانها أن تكتسح أي عقبة في طريقها. لذا فإن أفضل طريقة لدعم مقاومة الشعبين الفلسطيني واللبناني هي النضال ضد العدو في الداخل: الطبقات السائدة وحكوماتها في البلدان الإمبريالية.

إننا نطالب بالوقف الفوري لكل أشكال الدعم لإسرائيل، بما في ذلك وقف كل صادرات الأسلحة! لكن ليست لدينا أية أوهام بأن الطبقة الرأسمالية سوف تنفذ هذا. إن الطبقة العاملة ومنظماتها هي التي عليها أن تخوض المعركة. ولذلك ينبغي رفع القرارات على كافة المستويات داخل النقابات العمالية التي تنظم أماكن العمل المشاركة في إنتاج الأسلحة والتجارة فيها، لفرض مقاطعة عمالية بواسطة الإضرابات وحصار شحنات الأسلحة.

وفي الوقت نفسه، يجب إطلاق حملة لتأميم جميع قطاعات صناعة الأسلحة ووضعها تحت الرقابة العمالية. يجب إعادة تجهيز هذه القطاعات الصناعية المتقدمة لتتحول إلى إنتاج سلع لمصلحة المجتمع بكامله بدلا من إنتاج وسائل التدمير. فبدلا من الدبابات، يمكننا إنتاج الجرارات وسيارات الإسعاف. وبدلا من إنتاج الطائرات المقاتلة، يمكننا الاستثمار في تطوير أنظمة نقل عمومي ذات جودة عالية.

إننا نطالب بإنهاء كل المساعدات العسكرية لإسرائيل، وكذلك لأوكرانيا. يجب استخدام الأموال، بدلا من ذلك، لتحسين مستوى التعليم والرعاية الصحية وغيرها من البرامج الاجتماعية لمصلحة الطبقة العاملة.

لكننا ليست لدينا أي وهم بأن الطبقة الرأسمالية لديها أية نية لتنفيذ مثل هذه التدابير. فمصالحها تتناقض بشكل مباشر مع مصالح الطبقة العاملة، في الداخل والخارج.

إن الحرب جزء لا يتجزأ من الرأسمالية. فالعدد المتزايد من الحروب والاضطراب العام ما هما إلا تعبير عن أزمة النظام. وإنه لحلم طوباوي الاعتقاد بأنه من الممكن القضاء على الحروب دون القضاء على السبب الجذري لها، أي: النظام الرأسمالي نفسه.

ما هو ضروري إذن هو إعداد حركة جماهيرية لإسقاط دعاة الحرب الذين يمثلون تهديدا لسلامة وأمن العالم أجمع! لابد من وقفهم بالجهود الجماعية للطبقة العاملة العالمية، التي هي الطبقة الوحيدة التي لديها مصلحة متأصلة في السلام.

فلتسقط آلة الحرب الإسرائيلية!

فليسقط دعاة الحروب في الغرب!

كل الدعم لنضال الشعبين الفلسطيني واللبناني ضد العدوان الإسرائيلي!

الكتب لا القنابل!

الرعاية الصحية لا الحرب!

لا حرب إلا حرب الطبقات!

يا عمال العالم اتحدوا!