من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا: الإمبريالية الأمريكية في عهد ترامب Share Tweetننشر في ما يلي الجزء الثاني، من سلسلة مكونة من ثلاثة أجزاء، لخطاب حول المنظورات العالمية، ألقاه الرفيق خورخي مارتن، يوم الثلاثاء 28 يناير، في اجتماع اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية الثورية. يتناول الجزء الأول، الذي يمكنكم قراءته هنا، الاضطرابات في العلاقات العالمية التي تسببت فيها رئاسة ترامب.[Source]تمكن ترامب، حتى قبل توليه منصبه، من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، في حين أن بايدن لم يتمكن من القيام بذلك. وهذا له العديد من التداعيات المهمة.أولها هو أن هذا أمر غير مسبوق على الاطلاق، لأن الشخص الذي أجبر نتنياهو على توقيع الاتفاق -أي مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف- هو رجل أعمال. كما أنه يأتي من قطاع العقارات، مثله مثل ترامب نفسه، وفي الوقت الذي كان يتجول في الشرق الأوسط، كان مواطنا عاديا. لم يكن لديه أي منصب رسمي. لم يكن ترامب قد تولى منصبه بعد. ومع ذلك فقد كان هو من أرغم نتنياهو على التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار.كان ذلك الاتفاق لوقف إطلاق النار مطروحا على الطاولة منذ ماي من العام الماضي على الأقل. وكانت حماس قد قبلته بالفعل في يوليوز 2024. وكان بايدن يدفع في اتجاهه، لكن نتنياهو بدأ في اختراع كل أنواع الأعذار والذرائع لتخريبه.وكان أحد أعذاره الرئيسية هي أن إسرائيل يجب أن تحتفظ بالسيطرة على ممر فيلادلفيا، الذي هو شريط ضيق من الأرض يفصل غزة عن مصر. وكان قد أصر، في يوليوز، ثم في شتنبر، على أن تلك مسألة حاسمة للأمن القومي الإسرائيلي. وأنه لا يمكن للجيش الإسرائيلي الانسحاب منه تحت أي ظرف من الظروف، وإلا فستصير حماس قادرة على العبور إلى مصر ذهابا وإيابا واستخدامه كخط إمداد لها.لكن الاتفاق الحالي يقول العكس تماما. إذ سينسحب الجيش الإسرائيلي من ممر فيلادلفيا، وكذلك من ممر نتساريم، الذي حفره الجيش الإسرائيلي لتقسيم قطاع غزة إلى نصفين. وهذا ما يعطيكم مؤشرا على أن كل احتجاجات نتنياهو وأعماله التخريبية لم تكن لها علاقة بالرهائن، ولا بمسائل جدية تتعلق بالأمن القومي، بل بالأحرى بالحفاظ على استمرار الحرب حتى يتمكن من البقاء في السلطة.كانت المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار قد استؤنفت في دجنبر، لكن ومع اقتراب موعد تنصيب ترامب كان من الواضح أنها على وشك الانهيار. قال ترامب: “أريد صفقة قبل تنصيبي”. فماذا حدث في تلك اللحظة؟ وصفت الصحيفة الصهيونية الليبرالية، هآرتس، الأمر على النحو التالي:كان ويتكوف في الدوحة، حيث كانت تجري هذه المفاوضات، وقد أدرك في مرحلة معينة أن المفاوضين الإسرائيليين كانوا يضيعون الوقت فقط، وأنهم لم تكن لديهم النية ولا السلطة لتوقيع أي شيء أو الموافقة على أي شيء.لذلك اتصل ويتكوف بمكتب نتنياهو وقال: “أريد اجتماعا معك غدا، السبت”. لقد حاول مكتب نتنياهو تأخير العملية برمتها، بحجة أنه من غير الممكن الاجتماع يوم السبت لأنه كان يوم العطلة اليهودي، وأن الاجتماع يجب تأجيله، إلخ.ووفقا لصحيفة هآرتس، فقد قدم ستيف ويتكوف ردا “لاذعا”، موضحا أنه لا يهتم إذا كان يوم السبت -يوم العطلة اليهودي- وأن الاجتماع سيعقد رغم كل شيء. لا نعرف ما الذي حدث في ذلك الاجتماع، لكن لا بد أن ويتكوف قد ضرب الطاولة وتمكن من جعل نتنياهو يوقع على تلك الصفقة.لقد ترك توقيع وقف إطلاق النار بايدن مكشوفا تماما. فقد أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة كانت لديها بالتأكيد القوة للضغط على نتنياهو لتغيير سياسته. لكن سياسة بايدن المتمثلة في الدعم الكامل لحملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة لم تمنح واشنطن أي نفوذ على نتنياهو، بل العكس.أدى اتفاق وقف إطلاق النار إلى أزمة كبرى في إسرائيل، أو بالأحرى، تسريع الأزمة السياسية فيها. فقد انسحب من حكومة نتنياهو أحد الحزبين اليمينيين المتطرفين اللذين يشاركان في الائتلاف، وهدد الحزب الآخر بالانسحاب.وكان نتنياهو، قبل بضعة أشهر، قد أدخل حزبا آخر إلى الائتلاف، هو حزب جدعون ساعر، وذلك حتى لا يعتمد كثيرا على دعم سموتريتش وبن غفير، زعيمي الحزبين اليمينيين المتطرفين.كما كشف وقف إطلاق النار بشكل أكثر وضوحا أن إحدى المصالح الرئيسية لنتنياهو طوال الحرب كانت هي إبقاء الصراع مستمرا، بل وحتى تصعيده، لكي يتمكن من البقاء في السلطة. مسألة بقاءه السياسي الشخصي لعبت دورا رئيسيا. وهذا أحد الأسباب التي تجعله يحاول الآن إثارة حرب مفتوحة في الضفة الغربية.إن اتفاق وقف إطلاق النار ليس في مصلحته، وبالتالي ليس من المؤكد أن هذا الاتفاق سوف يصمد. وكان نتنياهو قد صرح علنا إنه تلقى ضمانات من بايدن وترامب بأنه يمكنه استئناف الحرب على غزة بعد المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار.وفي الأيام القليلة الماضية، كان هناك شبه انهيار لوقف إطلاق النار في لبنان. فتدخلت إدارة ترامب مرة أخرى للتأكد من عدم انهياره بشكل كامل.من الواضح في كل الأحوال أن اتفاق وقف إطلاق النار لا يمكن وصفه بانتصار لإسرائيل. فهي لم تحقق أيا من أهدافها في الحرب، والتي كانت تتلخص في إطلاق سراح الرهائن بالقوة العسكرية وتدمير حماس.الجيش الإسرائيلي واحد من أقوى الجيوش في الشرق الأوسط -إن لم يكن أقواها على الإطلاق- فهو يتمتع بتكنولوجيا متقدمة للغاية، ومصادر استخباراتية، وأسلحة عالية التقنية، وأسلحة منخفضة التقنية، وإمدادات واسعة النطاق من المدفعية وما إلى ذلك. ومع ذلك فإنه لم يتمكن من إنقاذ الرهائن، والأهم من ذلك هو أنه لم يتمكن من سحق حماس، وهو الهدف الحقيقي للحرب.ووفقا لبعض التقارير الاستخباراتية الأمريكية في الأيام القليلة الماضية، فقد نجحت حماس منذ بداية الحرب في تجنيد 15 ألف عضو جديد، وهو تقريبا نفس عدد الأشخاص الذين يقول الإسرائيليون إنهم قد قتلوهم. رغم أن هؤلاء المجندين بالتأكيد لن يتم تدريبهم أو دمجهم في الهياكل العسكرية بنفس الدرجة التي تم بها تدريب أولئك الذين قتلتهم إسرائيل. من الواضح أن حماس قد أضعفت بسبب هذا، لكنها بالتأكيد لم يتم تدميرها بعد.ماذا رأينا في الأيام القليلة الماضية؟ ماذا حدث بمجرد انسحاب القوات الإسرائيلية؟ لقد سيطرت هياكل حماس على الأوضاع. فيوم أمس، في الساحة الرئيسية بمدينة غزة، كان رجال شرطة حماس منتشرين في كل مكان، بزيهم الرسمي النظيف، وهم يجهزون المسرح للرهائن الذين كان من المقرر إطلاق سراحهم، وكان هناك عدد كبير من الرجال المسلحين الذين أظهروا بكل وضوح أنهم ما زالوا يسيطرون على المكان. كان ذلك في الساحة الرئيسية بمدينة غزة، وهو المكان الذي قام الجيش الإسرائيلي بتفتيشه بدقة شديدة للتأكد من عدم وجود حماس فيه.هذا أمر عجيب تماما. فقد أمضى مقاتلو حماس شهورا تحت الأرض في الأنفاق. وقطعوا كل الاتصالات فيما بينهم خوفا من تتبع أثرهم. وها هم الآن يخرجون، بعد أن جندوا الآلاف من الأعضاء الجدد، ويسيطرون على قطاع غزة مرة أخرى.كل هذه السلسلة من الأحداث: هجوم حماس في السابع من أكتوبر؛ وفشل الحملة الإسرائيلية في غزة؛ وموقف نتنياهو الكلبي من الرهائن.. لابد أن يكون لها عاجلا أم آجلا تأثير على وعي الطبقة العاملة الإسرائيلية.لقد استمرت الطبقة السائدة الصهيونية، على مدى عقود من الزمان، في حشد الشعب الإسرائيلي حول سياساتها بحجة أن الطريقة الوحيدة لضمان سلامة ورفاهية اليهود في إسرائيل هي من خلال دولة قوية تهزم كل أعدائها. لكن أسطورة الدولة التي لا تهزم قد تحطمت الآن. ولابد أن تترسخ في نهاية المطاف الفكرة القائلة بأنه لا يمكن أن يكون هناك سبيل للسلام طالما بقيت التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني دون حل.من الجدير أن نسأل: ما هي سياسة ترامب في الشرق الأوسط؟[ملاحظة: لقد أُلقي خطاب المنظورات العالمية هذا قبل أسبوعين من زيارة نتنياهو للبيت الأبيض وإعلان ترامب عن خطته للسيطرة على غزة].يبدو لي أن ما يريده ترامب هو اتفاق لوقف إطلاق النار من شأنه أن يؤدي بعد ذلك إلى استئناف اتفاقيات إبراهيم، أي تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. وفي منشوره على وسائل التواصل الاجتماعي الذي أعلن فيه مسؤوليته عن الاتفاق، ذكر اتفاقيات إبراهيم وقال إن غزة ينبغي ألا تبقى “ملاذا للإرهابيين” بعد الآن.حسب رأيي، إنه يعتقد ربما أنه إذا تمكن من خلق النمو الاقتصادي في المنطقة، فإن كل المشاكل سوف تُحل وسوف يكون الجميع سعداء.لكنه لم يكتف بقول ذلك، فهو الآن يسأل، لماذا لا ننقل كل السكان من غزة إلى الأردن ومصر؟ حيث يمكننا أن نبني لهم منازل في مكان يمكنهم العيش فيه بسلام.يبدو له أن هذا منطقي. فقد تم تدمير غزة بالكامل. وسوف يستغرق الأمر سنوات لإعادة بنائها، وإزالة الأنقاض، وبناء منازل وبنية أساسية جديدة. نحن نتحدث عن عقود من إعادة الإعمار التي ستكلف الكثير من المال. وما يفكر فيه بالأساس هو: “لماذا لا يدفع شخص آخر ثمن هذا؟”.وهو في الوقت نفسه، ربما يفكر بأنه “بهذه الطريقة يمكنني إرضاء اليمين المتطرف الصهيوني. إنهم يريدون تطهير غزة من الفلسطينيين، لذا فلنمنحهم ذلك أيضا”. ربما يريد إقناع السعوديين ودول الخليج بدفع المال. ويمكنكم بالفعل رؤية الخطوط العريضة لمثل هذه الخطة.لكن من غير المرجح أن ذلك النهج العملي المقاولاتي الذي يتبناه ترامب سينجح في التعامل مع الأوصاع السياسية في الشرق الأوسط، أو في أي مكان آخر.لا أعتقد أن المملكة العربية السعودية تستطيع الموافقة على صفقة تطبيع مع إسرائيل طالما لم يكن هناك شكل من أشكال دولة فلسطينية، حتى ولو كانت مجرد دويلة بلا أسنان. وهذا ليس لأن الحكام السعوديين يهتمون بالتطلعات الوطنية للفلسطينيين، بل لأنهم قلقون من الإطاحة بهم إذا ما ظهروا بأنهم باعوا الفلسطينيين بطريقة أكثر وضوحا.وبالإضافة إلى ذلك، كيف سيمكن إقامة دولة فلسطينية، في ظل الظروف الحالية دون سيطرة حماس على غزة؟ لقد حاول الإسرائيليون لمدة 15 شهرا التخلص من حماس بحملة وحشية، لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق ذلك. إن هذه مشكلة مستعصية حقا في حدود الحلول الرأسمالية. هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي يمكن استخلاصه من ذلك. وسوف يصبح الموقف أكثر تعقيدا بالنسبة لترامب مع مرور الوقت.سقوط نظام الأسدأود أن أتحدث بإيجاز عن سوريا، لأن هذا حدث كبير آخر وقع في الأسابيع القليلة الماضية بطريقة مفاجئة للغاية.لقد قمنا بالفعل بتحليل سقوط نظام الأسد في عدد من المقالات. كان ذلك جزءا من الوضع العالمي العام الذي وصفناه سابقا. كانت روسيا متورطة في أوكرانيا؛ وتعرضت إيران للضعف في لبنان بسبب الحملة الإسرائيلية.كانت لتركيا شراكة من نوع ما مع روسيا تم التوصل إليها في سياق النكسات التي عانت منها تركيا في المرحلة الأولى من الحرب الأهلية السورية. لكن تركيا وروسيا ليستا حليفتين حقا. لذا فإنه بالنظر إلى الضعف النسبي للقوى الأخرى التي كانت تدعم الأسد، فقد قررت تركيا أن تتحرك.بدأت بالضغط على الأسد للتوصل إلى نوع من الاتفاق، والذي من شأنه أن يؤدي إلى زيادة سيطرة وكلاء تركيا في سوريا، والسماح بعودة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين الموجودين حاليا في تركيا.لكن الأسد قرر، لسبب ما، عدم إبرام الصفقة. كان في نفس الوقت يتحاور مع بلدان أخرى، بمن في ذلك القطريين، وكان تحت ضغط من الإسرائيليين. ولم يكن يريد عقد صفقة مع أردوغان.نتيجة لذلك قامت تركيا بالضغط عليه، وبمجرد أن بدأت في الضغط، انهار البناء بأكمله. كان نظام الأسد متعفنا لدرجة أنه لم يبق منه اي شيء.تكون لديك في بعض الأحيان خزانة خشبية نخرها السوس. لا يمكنك رؤية الضرر من الخارج، ولكن في يوم من الأيام تذهب وتفتح الباب فينهار كل شيء.والوضع الذي نشأ بعد انهيار نظام الأسد، هو أن تركيا صارت أكثر هيمنة لكنها ما تزال لا تسيطر على البلاد بأكملها. وما نراه هو تقسيم سوريا بين قوى إقليمية مختلفة.استغلت إسرائيل هذا الوضع، من أجل توسيع مساحة الأراضي التي تسيطر عليها في الجنوب، بجوار مرتفعات الجولان، المطلة على جنوب لبنان. بينما تسيطر تركيا على الشمال والشمال الغربي والعاصمة دمشق. في حين يسيطر الدروز على الزاوية الجنوبية. ويسيطر الكورد على الشمال الشرقي، لكن موقفهم هش للغاية.يوجد درس هنا: لقد راهن الكورد في سوريا بكل أوراقهم على الإمبريالية الأمريكية، وقد صاروا الآن يعتمدون كليا على دعمها من أجل بقائهم. ولهذا السبب بعث زعيم وحدات حماية الشعب الكوردية للتو رسالة انبطاح إلى ترامب، قال فيها: “يمكننا أن نكون أصدقاء. نحن أفضل المدافعين عن مصالحكم في هذه المنطقة”.علينا أن نناقش، بطريقة رفاقية، هذا الدرس مع هؤلاء اللاسلطويين واليساريين في الغرب، الذين كان لديهم موقف غير نقدي على الإطلاق تجاه روج آفا. ففي نهاية المطاف، ليست حقوق الأمم الصغيرة سوى أوراق لعب هزيلة في مكائد القوى الكبرى.الحرب في أوكرانياثم نأتي إلى الحرب في أوكرانيا. أعتقد أن الغرب قد خسر الحرب في أوكرانيا، وأن حلف شمال الأطلسي قد انهزم. وأعتقد أنه لا توجد طريقة يمكنهم من خلالها تحويل نتيجة تلك الحرب. روسيا تتقدم على طول خط المواجهة، ومعدل التقدم يتسارع.وفي كل منعطف من منعطفات هذه الحرب، فشلت محاولات الولايات المتحدة لتوفير “أسلحة متفوقة” قادرة على تغيير مسار الحرب. رأينا أولا دبابات ليوبارد، ثم صواريخ HIMARS، ثم طائرات إف-16، ثم صواريخ ATACMS. ومؤخرا تم منح أوكرانيا الإذن باستخدام صواريخ ATACMS لضرب أهداف داخل الأراضي الروسية. لكن هذا فشل في كل مرة في تحويل مسار الحرب.العامل الحاسم حاليا هو تفوق روسيا في أعداد القوات المقاتلة وعدم قدرة أوكرانيا على تجنيد المزيد من الجنود للجبهة.هناك عوامل أخرى بالطبع، مثل استنفاد مخزونات الأسلحة في الغرب وتناقص قدرة الصناعة العسكرية الغربية على مواصلة إمداد أوكرانيا، مقارنة بقدرة الصناعة العسكرية الروسية على إمداد قواتها الخاصة.وبالمناسبة، هناك نقطة مثيرة للاهتمام يجب طرحها فيما يتعلق بهذه المسألة. فقبل بضعة أشهر عندما كان الغرب يعقد مناقشات مع صناع الأسلحة، كان أرباب الصناعات العسكرية يقولون: “أجل، يمكننا إنتاج المزيد. إننا نستطيع أن نستثمر في بناء مصانع جديدة حتى نتمكن من إنتاج المزيد من القذائف والمعدات العسكرية، لكن شريطة أن تمنحونا عقدا طويل الأجل. أما إذا كان الأمر يتعلق فقط بزيادة الإنتاج على مدى الأشهر الستة المقبلة، فلن نستثمر بشكل كبير في رأس المال الثابت الذي لسنا متأكدين من قدرتنا على استخدامه في وقت لاحق”. هكذا تعمل الاستثمارات الرأسمالية.لكن هذا ليس هو الحال في روسيا، حيث تتبنى الدولة الآن سياسة التدخل في الاقتصاد، لضمان فوزها بالحرب. تقول الدولة إن هذه المصانع سوف تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع وأنها سوف توفر المواد اللازمة للجيش. وسواء كانت تلك المصانع مملوكة للدولة أو مملوكة للقطاع الخاص، فإنها الآن تحت سيطرة الدولة.هذا مثال يوضح أن التخطيط الحكومي هو، بطريقة أو بأخرى، متفوق إلى حد كبير على فوضى اقتصاد السوق الحرة، حتى عندما يتعلق الأمر بتوفير الأسلحة للحرب.وهذه نقطة كان تيد غرانت قد أشار إليها أثناء الحرب العالمية الثانية. في ذلك الوقت، أنشأت بريطانيا مجالس صناعية تم من خلالها إخبار المصانع وأصحاب رأس المال الخاص بما يجب عليهم أن ينتجوه وحددت لهم الأجل الزمني والكمية. كان ذلك في الواقع شكلا من أشكال التخطيط الحكومي. فحتى الرأسماليون أنفسهم لا يتركون الأمر للسوق الحرة عندما يتعلق الأمر بالأشياء المهمة.لقد اتضح أن الفكرة القائلة بأن العقوبات الغربية ستلحق الضرر بالاقتصاد الروسي إلى حد أنه قد يمنع أو يعيق جهود الحرب، كانت خاطئة تماما. الاقتصاد الروسي ينمو وينتج ما يكفي لدعم هذه الحرب.وعندما نأخذ كل العوامل الأخرى في الاعتبار، فإن العامل الحاسم هو عدم قدرة أوكرانيا على تجنيد عدد كاف من الجنود لأجل القتال. كانت هذه هي الحال منذ أشهر. لقد تسربت بعض المعلومات إلى مقالات في وسائل الإعلام الغربية، لكن الوضع الحقيقي كارثي تماما.في بداية الحرب تطوع العديد من الناس للقتال. في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى الحرب على أنها حرب دفاع وطني وكانت هناك موجة من النزعة الوطنية. بقي هؤلاء الناس في الجبهة لسنوات حتى الآن دون أي تناوب. لقد استنفدوا قواهم تماما. لكنهم على الأقل جنود مدربون ومتمرسون في المعارك ويعرفون شيئا ما عن كيفية القتال.لكن ما نشهده الآن هو استعمال طرق استبدادية وعنيفة بشكل متزايد تحاول الدولة من خلالها تجنيد أعداد كبيرة للجيش بالقوة من خلال ‘خدمة التجنيد والتعبئة’ (TCC). ومؤخرا كانت هناك فضيحة في البرلمان الأوكراني حيث قال عضو في البرلمان من حزب زيلينسكي الحاكم: “لا يمكن أن يستمر هذا بعد الآن، ضباط التجنيد في خاركوف، يتصرفون مثل جيش احتلال، بما في ذلك إنشاء نقاط تفتيش”. إنهم يبحثون عن الرجال في سن الخدمة العسكرية، ويكدسونهم في شاحنات ويرسلونهم مباشرة إلى الجبهة. أي أنه يتم اختطافهم حرفيا.وقد أدى هذا إلى اندلاع مقاومة وردود فعل عنيفة. ومنذ أشهر صار ضباط التجنيد يستخدمون شاحنات صغيرة غير مميزة، لأن المفاجأة هي الطريقة الوحيدة التي يمكنهم بها القبض على الناس.أجرت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية حوارا حول “يوم في حياة ضابط تجنيد أوكراني”. وفي نهاية المقال سألوه: “لماذا تفعل هذا؟” قال: “أعتقد أنه من الأفضل العمل لصالح خدمة التجنيد والتعبئة (TCC) بدلا من الاختباء منها”. دافعه الوحيد هو أنه من الأفضل أن يقوم بمطاردة الناس بدلا من أن يكون هو المطارَد! وكونه ضابط تجنيد يعني على الأقل أنه لن يذهب إلى الجبهة حيث سيموت بالتأكيد. هذا هو المزاج الحقيقي الموجود الآن في أوكرانيا.مثال آخر: قرر زيلينسكي -بأسلوبه الفريد الذي يخضع فيه كل ما يفعله لاحتياجات العلاقات العامة للإبقاء الغرب إلى جانبه- تشكيل ثمانية ألوية جديدة سيتم تدريبهم من قبل الغرب وفقا لأفضل معايير الناتو.كانت إحدى تلك المجموعات هي اللواء الآلي 155. يبلغ عدد أفراد اللواء 3500 رجل. وقد تم إرسالهم إلى فرنسا لتلقي تدريب عالي الجودة. كانت هذه أيضا خطوة دعائية من جانب ماكرون، الذي كما نعلم يواجه الكثير من الصعوبات في الداخل ويريد أن يظهر بمظهر الرجل القوي.تم تدريب اللواء 155 ثم عاد إلى أوكرانيا، حيث تم إرساله إلى الجبهة في بوكروفسك، التي هي إحدى أكثر المناطق سخونة على خط المواجهة، والتي كان الروس يحاصرونها تدريجيا منذ أشهر. فما الذي حدث؟ لقد اختفى اللواء قبل أن يطلق رصاصته الأولى، حيث فر حوالي 1700 رجل، وغابوا دون إذن. وكان حوالي 50 فردا منهم قد فروا بالفعل في فرنسا.كان الصحفي الأوكراني يوري بوتوسوف هو من وصف هذا الحدث. وهو بالتأكيد ليس مواليا لروسيا. إذ نشر تقريرا طويلا يقول فيه إن الوضع في الجيش جنوني بشكل كامل. هذا وكانت مجموعة من المحللين العسكريين الأوكرانيين قد طرحت نقاطا مماثلة.لا يريد زيلينسكي سماع الحقيقة، ولذلك فإن الجنرالات من حوله لا يخبرونه بحقيقة الوضع. وعندما لا يقوم القادة المتواجدون في الميدان، والذين من المفترض أن يبلغوا عن أي تغييرات أو مشاكل في قطاعهم، بذلك، يصبح من المستحيل التخطيط لأي شيء.لنفترض أن وحدة ما قد تم دفعها للخلف من الموقع الذي كانت تحتله. لا يتم إبلاغ القيادة عن هذا الأمر خوفا من التعرض للعقاب. لذا لا توجد معلومات صادقة. فتعتقد الوحدة المجاورة لتلك الوحدة أن الموقع ما يزال أوكرانيا. ثم فجأة، تحاصرهم القوات الروسية بشكل كامل.قد يصل العدد الإجمالي للجنود الأوكرانيين الذين اخلوا أماكنهم دون إذن إلى 200.000! وقد تم توجيه تهمة الفرار رسميا إلى أكثر من 90.000 منذ عام 2022، والغالبية العظمى منهم في عام 2024، مما يعني أن المعدل يتسارع. إن هؤلاء هم أناس قرروا ذات يوم أنهم لا يريدون البقاء على الخطوط الأمامية، فيغادرون، أو يتم منحهم إجازة طبية ثم لا يعودون أبدا إلى وحداتهم.وأحدث فضيحة في أوكرانيا هي أنهم الآن صاروا يرسلون متخصصين من القوات الجوية إلى الجبهة كجنود مشاة. هؤلاء أناس تم تدريبهم على استخدام الطائرات المسيرة، ورصد الصواريخ القادمة وما إلى ذلك، لصالح الدفاع الجوي. إنهم أفراد متخصصون ومدربون تدريبا عاليا، لكن يتم إخراجهم الآن من القوات الجوية وإرسالهم إلى الجبهة. وهو ما يعتبر، من وجهة نظر عسكرية، نزيفا للمهارات.يبدو لي أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر لفترة أطول. نحن ديالكتيكيون، لذا فإننا نعرف أن الوضع سوف يصل إلى نقطة حيث قد تصبح هذه الخسائر التدريجية الصغيرة انهيارا كاملا للجبهة.وتيرة الإحباط داخل صفوف الجيش -والذي هو انعكاس للإحباط الموجود داخل المجتمع- قد تسارعت مع وصول ترامب إلى السلطة. لقد قال إنه سيضع حدا للحرب في غضون أربع وعشرين ساعة، وأنه سيعقد صفقة مع بوتين. برأيكم ما هو تأثير هذا في أوكرانيا على القيادة السياسية والقيادة العسكرية وعلى الجنود في الجبهة؟تقول بعض التقارير في وسائل الإعلام الغربية عن رأي القوات أن الجنود الأوكرانيين يدعمون ترامب، لأنهم يريدون إنهاء الحرب. ونقلت بوليتيكو عن وزير أوكراني سابق حديثه عن تأثير ترامب على الحرب، حيث قال: “قد لا يكون الأمر جيدا، لكنه سيكون أفضل بكثير مما كان عليه في عهد بايدن… [بايدن] أدار الحرب كأزمة، وكان يعتقد أنه إذا صمد لفترة كافية، فإن العاصفة ستمر. لكنها لم تمر. بينما ترامب يتبنى وجهة نظر مفادها أنه يتعين علينا إيقاف العاصفة. وهو غير مهتم بكيفية إيقافها”.هذا هو تكتيك ترامب على ما يبدو: إنهاء الحرب. ليس من الواضح كيف ينوي تحقيق ذلك، أو حتى ما إذا كان من الممكن أن يحققه. لكن الشيء الواضح هو أنه إذا قال ترامب إن الولايات المتحدة ستنسحب من تلك الحرب، وهو ما يحاول تحقيقه، فإن الحرب ستنتهي.إن الوضع الحالي هو أن أوكرانيا قد خسرت الحرب بالفعل، لكن الحرب لم تنته بعد. لكن إذا انسحبت الولايات المتحدة، وأوقفت إمداد المساعدات العسكرية والأسلحة والمؤن وما إلى ذلك، فإن الأمر سيكون قد انتهى.إن هزيمة حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا سيكون لها تأثير كبير على الوضع العالمي. ولن يكون ذلك مثل الوقت الذي اضطرت فيه الولايات المتحدة إلى مغادرة أفغانستان، عاجزة عن هزيمة بلد متخلف للغاية في الواقع. نحن نتحدث هنا عن حرب كبرى بالوكالة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا.سوف تخرج روسيا من هذه الحرب باعتبارها القوة الإمبريالية الوحيدة التي تمتلك جيشا انخرط في أساليب الحرب الحديثة واختبر فيها. لقد شكلت الحرب في أوكرانيا، مثل كل الحروب، أرض اختبار لأحدث أساليب الحرب، واستخدام الطائرات المسيرة، واستخدام الحرب الإلكترونية لمواجهتها، وأنواع جديدة من الصواريخ، وما إلى ذلك.كيف ستنتهي حرب أوكرانيا؟هل يمكن التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب؟ سأقول إن الطريقة الوحيدة التي يمكن بها التوصل إلى اتفاق هي الخضوع لشروط بوتين. فهو يفوز بالحرب على أرض المعركة وكلما طالت الحرب، كلما فاز بأراضٍ أكثر.ما هي شروطه؟ أولا وقبل كل شيء، سيحافظ على كل الأراضي التي استولى عليها. كما أنه يريد التزاما صارما بأن أوكرانيا لن تنضم أبدا إلى حلف شمال الأطلسي وستبقى بلدا محايدا. وهذا يتضمن أيضا تقليص حجم الجيش الأوكراني.ما قاله بوتين في الفترة التي سبقت الحرب في دجنبر 2021 كان: “نريد بنية أمنية جديدة في أوروبا”. وهذا يعني: “نريد من أوروبا والولايات المتحدة أن تعترفا بأن روسيا قوة، وأن تتوقفا عن التدخل في فنائنا الخلفي والقيام بخطوات عدوانية ضد روسيا”.خلال المناقشات التي أجريناها حول الحرب في أوكرانيا عندما بدأت، قال بعض الرفاق إن الغرب لا يمكن أن يسمح بخسارتها. لقد قالوا إن هذه الحرب بالنسبة للغرب مسألة مهمة تتعلق بالهيبة، وبالتالي، فإن الدول الغربية ستستمر في تصدير الأسلحة لأوكرانيا مهما طال الأمر.وقد اعتقدت في ذلك الوقت، أن الحرب في أوكرانيا ستنتهي في وقت أقرب بكثير إذا تم التوصل إلى اتفاق. اعتقدت أن الغرب سيكون مستعدا للاعتراف بالحالة الحقيقية للوضع في وقت أقرب بكثير. وأعتقد أنني قلت إنه سيكون هناك اتفاق بحلول خريف عام 2022. وإذا كنتم تتذكرون، فقد تمت في تركيا محاولة التوصل إلى صفقة، لكن بعد ذلك سارع بوريس جونسون إلى كييف وأخبرهم بعدم التوقيع عليها وأن الغرب سيستمر في دعمهم “مهاما طال الأمر”، إلى حين تحقيق النصر على روسيا.لقد كنت مخطئا ومن الواضح أن هؤلاء الرفاق كانوا على حق.لقد استمر الغرب في إرسال الأسلحة إلى حرب كان من الواضح منذ مدة طويلة أنه لا يمكن كسبها. وقد كان ذلك إلى حد كبير لأسباب تتعلق بالهيبة. فبعد أن انخرط الغرب في تلك الحرب، لم يعد يمكن له أن يظهر بمظهر المنهزم. كان الخطأ الذي ارتكبته هو المبالغة في تقدير قدرة الإمبريالية الغربية على التصرف بشكل منطقي وعقلاني.لكن هناك حدود معينة -مالية ومادية وسياسية- لقدرة الغرب على الاستمرار في إرسال الأسلحة. وقد تم الوصول إلى تلك الحدود منذ مدة طويلة.ربما يعتقد ترامب أنه يستطيع الإفلات من تبعات التأثير الذي قد يخلفه على العلاقات العالمية تضرر هيبة الولايات المتحدة وفقدان لمكانتها، لأنه يستطيع إلقاء اللوم في ذلك على بايدن.إنه يقول: “هذه ليست حربي، هذه الإهانة ليست موجهة لي، هذا خطأ أو حتى جريمة ارتكبها بايدن. ونحن نخرج منها. لقد مات الكثير من الناس بالفعل”.ترامب نرجسي أيضا. وقد قال البعض إنه يريد جائزة نوبل للسلام! ولن يكون ذلك مخالفا لمعايير لجنة نوبل؛ فقد سبق لها بالفعل أن منحت الجائزة لكثير من الشخصيات غير المستساغة.لذا فإن ترامب ربما يعتقد أنه إذا تمكن من الجلوس مع بوتين، واستعمل سحره الشخصي وعلاقاته الشخصية، فسيكون قادرا على التوصل إلى صفقة مفيدة للجميع.كان هذا هو محتوى منشور ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي: “أنا أحب الروس. لقد ساعدنا الروس كثيرا خلال الحرب العالمية الثانية. الاقتصاد الروسي في حالة سيئة وسأقدم خدمة لبوتين من خلال التوصل إلى اتفاق”.لكن من الواضح أن بوتين ليس أحمقا. يمكن وصفه بأشياء كثيرة، لكنه ليس أحمقا. إنه يعرف ما هو الوضع الحقيقي، فيما يتعلق بالاقتصاد الروسي (الذي يزدهر) والوضع العسكري.يعتقد ترامب أن الحرب في أوكرانيا خطأ وإهدار للمال وإهدار للوقت، ويريد وضع حد لها. لكن الحياة الواقعية أكثر تعقيدا من نوايا ترامب وحدها.من المؤكد أنه يتمتع بقدر كبير من النفوذ على أوكرانيا. إنه يعتبر زيلينسكي مصدر إزعاج. وسيرغب في الدخول في مفاوضات مباشرة مع بوتين ثم الالتفات إلى زيلينسكي وإخباره بأنه “يجب أن تقبل هذا”.ورد عن رئيس جهاز الأمن الأوكراني بودانوف أنه قال في اجتماع مغلق مع قادة الفرق البرلمانية والقادة العسكريين إنه ما لم ينخرطوا في مفاوضات جادة، فإن أوكرانيا ستواجه في غضون ستة أشهر “تهديدا وجوديا”. كما قال زيلينسكي إن الحظر المفروض على أي مفاوضات مع بوتين، والذي روج له قبل أشهر، لا ينطبق عليه وأنه مستعد للجلوس إلى الطاولة. من الواضح أن الحكومة الأوكرانية قد صارت مجبرة على الاعتراف بالواقع. وسيحاولون الحصول على أكبر قدر ممكن من تلك المفاوضات، لكنهم لا يمتلكون ما يكفي من القوة.ماذا سيحدث إذا اعترض الأوروبيون على المفاوضات أو على شروط الصفقة المحتملة؟ سيقول ترامب: “حسنا، هذه حربكم. امضوا قدما. نحن سنخرج منها”. وأوروبا ليست في وضع يسمح لها بمواصلة الحرب بالوكالة ضد روسيا بدون الولايات المتحدة، ليس من وجهة نظر اقتصادية فحسب، بل وسياسية وعسكرية أيضا. هذه هي الخطوط العريضة العامة للموقف.ترامب يمزق كتاب القواعد الإمبرياليةما الذي يعنيه كل هذا؟ لقد حدث تغير كبير في العلاقات العالمية. كما أنه تغير في طريقة تصرف الولايات المتحدة.نشرت مجلة الإيكونوميست افتتاحية تقول إن الولايات المتحدة لديها الآن “للمرة الأولى منذ أكثر من قرن من الزمان… رئيس إمبريالي”! وأنا على يقين من أن الكثير من الناس في فيتنام والعراق وتشيلي وفنزويلا وكوبا سوف يفاجأون. من الواضح أن جميع رؤساء الولايات المتحدة كانوا إمبرياليين منذ زمن بعيد، منذ أكثر من قرن من الزمان بالتأكيد.لكن مجلة الإيكونوميست ربما تكون على حق في ما ما يلي: فطيلة الفترة التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية، أو ربما حتى قبل ذلك، حافظت الإمبريالية الأمريكية على تظاهرها بالعمل باسم حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية، وتبني “النظام القائم على القواعد” والدفاع عن “المبدأ المقدس المتمثل في حرمة الحدود الوطنية”، وما إلى ذلك.لقد كانوا يتصرفون من خلال مؤسسات دولية “متعددة الأطراف”، والتي كانت تبدو محايدة، حيث كان لكل البلدان رأي: الأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد الدولي، وما إلى ذلك.في الواقع، لم يكن ذلك سوى قناع. لقد كان دائما مجرد مهزلة. فعندما لا يكون من الممكن الدفاع عن مصالح الإمبريالية الأمريكية من خلال تلك المؤسسات، كانت تتجاهلها تماما.والفرق الموجود الآن هو أن ترامب لا يكترث على الإطلاق بأي من تلك المزاعم. ويبدو أنه عازم على تمزيق كتاب القواعد بأكمله والتعبير عن الأمور بصراحة أكبر، كما هي في الواقع. وعندما يقول إن قناة بنما وغرينلاند جزء من مصالح الأمن القومي الأمريكي، فإنه يعبر بشكل علني عن وجهة نظر الطبقة السائدة الأمريكية.